حاول الإنسان عبر العلم، وكما هو معروف للجميع، السيطرة على الطبيعة المحيطة. ولكن تطور العلوم بمختلف مشاربها، وما ترتب على ذلك من تقدم تكنولوجي هائل، دفع إلى التساؤل عن كيفية السيطرة على العلم نفسه.
ويعالج مؤرخ العلوم والأستاذ في المعهد الملكي البريطاني، جان باتيست فريسوز في كتابه الذي يحمل عنوان «نهاية العالم السعيدة»، موضوع: تاريخ الخطر التكنولوجي، كما جاء في العنوان الفرعي.
ويشير المؤلف في مقدمة الكتاب، إلى أن بعض المحللين يرددون مقولة مفادها ان العالم دخل منذ فترة وجيزة، في نوع من "الحداثة المتأملة". وذلك من أجل تمييزها عن تلك الحداثة المرافقة سابقا للثورة الصناعية الكبرى التي يتم وصفها بأنها عمياء لما تتضمنه من مخاطر بالنسبة للبيئة، وما ينذر به ذلك من كوارث ترتسم في أفق الإنسانية.
وينطلق مؤلف كتاب: "نهاية العالم السعيدة"، من نقطة مهمة، وهي انه من أجل تجنّب تدمير البيئة وتهديد مصير الأجيال القادمة، لابد من كتابة تاريخ سياسي للمخاطر التكنولوجية، وللبحث والتأمّل في كيفية إيجاد آليات، وأيضا سبل ضبطها على المدى الطويل.
ويجد المؤلف ان الخطوة الأولى في كتابة مثل هذا التاريخ، كما يبدو من الفصول الافتتاحية للكتاب، تكمن في استعراض الكيفية التي دخلت فيها كل من فرنسا وانجلترا إلى حقبة الحداثة الصناعية. وذلك بالتحديد خلال نهايات القرنين: الـ18 والـ20. فتلك الفترة، عرفت اختراع اللقاحات ضد الأمراض، وأيضا تصنيع الآلة البخارية، ومن ثم المحرّك الانفجاري والقطارات والمنتجات الكيميائية.
وفي الفصول اللاحقة، يستعرض المؤلف بعمق أكثر، طبيعة النقاشات الحية وأشكال الجدل التي أثيرت حول المخاطر، وكذا مصادر الأذى الناجمة عن مبتكرات التجديد الصناعي والتكنولوجي، وبشكل أوسع، حول المجتمع الصناعي عموما.
ما يؤكده جان باتسيت فريسوز، هو أن المجتمعات التي عاصرت الحقب الأولى للتصنيع، خاصة في فرنسا وانجلترا، اللتين كانتا مهدا أساسيا للثورة الصناعية الكبرى، لم تقم بتخريب غير واعٍ للبيئة. ولكنها كانت على درجة كبيرة من إدراك المخاطر المترتبة على ثمرات تلك الثورة الصناعية، وتكنولوجياتها الجديدة، ذلك بالنسبة للصحة البشرية والبيئة المحيطة.
إن تلك المجتمعات الصناعية، خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وطيلة القرن التاسع عشر، اختارت، عبر إجراءات صغيرة باتجاه الابتعاد عن القوانين الاجتماعية السائدة وبشكل تدريجي، اختارت تجاوز مناخ الخوف، مع إدراكها أن لذلك الخوف مبرراته الواقعية، وأن الأخطار التي كانت تطرح في العديد من النقاشات، لها أساس على أرض الواقع.
واختار مؤلف الكتاب، أن لا يكتفي باستعراض المقولات النظرية والآراء التي تكررت في النقاشات المذكورة. ولكن التدليل على وجود المخاطر الناجمة عن التكنولوجيات الجديدة، عبر مجموعة من الأحداث. ".
ويجمع المؤلف، في الصفحات الأخيرة من الكتاب، بين تاريخ العلوم ونوع من التأمل الفكري حول آليات فرض السيطرة عبر العلم، على الآخرين، وذلك يتم غالبا باسم ومبرر: "التقدم".
واللافت للانتباه، أنه هناك اليوم، من يردد أن هذا التقدم يقوم أصلا على فكرة الكارثة، موضحا أن الحداثة أصبحت متأملة، وليست عمياء، كما كانت في زمن الثورة الصناعية (بنسختها السابقة). ولكن مؤلف الكتاب، يعود الى التاكيد، في محصلة تحليلاته، على ان مخاطر التكنولوجيا، تبقى حقيقة قائمة.
المؤلف في سطور
يعمل مؤلف الكتاب، جان باتيست فريسوز، أستاذا في المعهد الملكي البريطاني في لندن، منذ عدة سنوات. وهو مؤرخ متخصص في مجال تاريخ العلوم والتقنيات ومسائل البيئة.
الكتاب: نهاية العالم السعيدة تاريخ الخطر التكنولوجي
تأليف: جان باتيست فريسوز
الناشر: سويل
باريس 2012
الصفحات: 312 صفحة
القطع: المتوسط
Lapocalypse joyeuse
Jean Batiste Fressoz
Seuil - Paris- 2012
312 .p

