يقدم كتاب "نقوش صفائية جديدة من جنوب سوريا"، لمؤلفه الباحث السوري غازي محمد يوسف علولو، مجموعة من الابحاث التفصيلية حول النقوش الصفائية في جنوب سوريا، موثقا اسماء الباحثين الاجانب الذين زاروا المنطقة خلال فترات متعاقبة، وعارضا ايضا لجملة نتائجهم وخلاصات ابحاثهم في هذا الصدد. ومن بين هؤلاء: برتون، دريك، بورك هاردت، شتوبل، ماكس فون، أوبن هايم.
يوضح مؤلف الكتاب غازي محمد يوسف علولو أنه تمكَّن عالم الآثار واللغات القديمة جوزيف هالفي، في عام 1882، من فك رموز ستة عشر حرفاً من الحروف الصفائية، البالغة ثمانية وعشرين حرفاً. وفي السنة التالية أكمل بريتوريوس ما بدأه هاليفي، إذ استطاع فك ستة حروف أخرى. وايضا في عام 1889 قام ريينه ديسو برحلة أثرية إلى الخرائب والأوابد المنتشرة على أطراف ديرة التلول، كالأديرة والقصور مثل: خربة النباش.
ونسخ خلالها 412 نقشاً، بمساعدة فريدريك ماكلر. ثمَّ تكررت محاولتهما مرة أخرى، في عام 1901، فنسخا خلالها 994 نقشاً، ثمَّ أصبحت المحاولات أكثر تنظيماً على يد أستاذ اللغات الألماني إينو ليتمان، الذي كان عضواً في بعثة جامعة "برينستون" الأثرية الى سوريا، خلال الاعوام: 1904- 1905-1909.
ويؤكد المؤلف أن ليتمان برهن على صحة قراءته لتلك النقوش في كتابه (فك رموز النقوش الصفائية)، الذي نشره عام 1901. ونشر الجزء الأكبر من مؤلفاته عام 1943. كما يستعرض يوسف علولو جهود ومؤلفات مجموعة من الباحثين في هذا الصدد.
وينتقل المؤلف الى ايضاح مجموعة حقائق تاريخية حول الصفائيين، مبينا ان موطنهم منطقة الحرَّة السورية- الأردنية، ومن ثمَّ يتسع نطاق تحركهم ليصل إلى مناطق أخرى، يرتبطون بها تجارياً أو عن طريق الرعي والتجوال، وربما الغزو والحرب في أحيان أخرى. ووردت مسميات سبعة أماكن في النقوش موضوع الدراسة التي قام بها يوسف علولو، لم يسبق أن وردت في غيرها من النقوش المنشورة.
يبين المؤلف أنه تتميز هذه النقوش بغناها بالمفردات التي تتعلق بالحياة الاجتماعية عند الصفائيين. وكذا تعرف الباحثون على عدد لا بأس به من الآلهة التي عبدها الصفائيون، ولكن النقوش أضافت إلى قائمة أسماء الآلهة الصفائية، إلهين، هما: ج د ح ر ت، د ث ن.
ويوضح المؤلف أن الجديد بالنسبة للديانة الصفائية خاصة، وديانة العرب قبل الإسلام عامة، هو ورود عبارة: ه أ ل ت ب ن ت ر ض. والتي تحدد العلاقة القرابية بين الإلهين المذكورين، وربما كانت عبادة الإله "رضو"، أقدم من عبادة "اللات" في مجمع الآلهة الوثنية عند العرب قبل الإسلام، إذ يتضح من ذلك النقش أنَّ رضو كان الإله الأكثر أهمية والأقدم بين الآلهة الصفائية. فهو الإله الوالد المذكَّر.
في حين أنَّ اللات كانت هي الإلهة الابنة المؤنثة. هذا ويتبين من دراسة النقوش والرسوم الصفائية المرافقة لها، أنَّ كتَّابها لم يهتموا بإفرادِ نقشٍ كامل لموضوع واحد إلا نادراً، في حين نجدهم يبدؤون النقش بحرف اللام الذي يدل على الملكية، ثم اسم صاحب النقش ونسبه الذي ربما ينتهي باسم القبيلة التي ينتمي إليها.
كما شملت النقوش في فحواها، موضوعات مختلفة وكثيرة، منها: اولا، النقوش المؤرَّخة (أُرَّخت تلك النقوش طبقا لحوادث عامة، تتعلَّق بالأحداث السياسية المحيطة بالصفائيين، ويمكن- حسب مؤلف الكتاب الباحث علول- تحديد زمن قريب لهذه الحوادث، مقارنة مع محتويات النقوش الأخرى، وبحوادث محلية عرفت عند أصحابها، إلا أنها مجهولة لنا ولا نستطيع الاستفادة منها لمعرفة زمن كتابتها).
ثانيا، النقوش القبورية (وهي التي تخص صاحب القبر، إذ كتبت كمرثاة للميت مقتربة بأفعال الحزن والتوجع). ثالثا، النقوش الدينية توسَّلَ كاتبو النقوش الى آلهتهم المتعددة، طالبين منها المساعدة أو الثأر أو الانتقام أو السلام أو إنزال المطر.. ويتضح من نقوشهم وجود معابد لآلهتهم، كانوا يحجون اليها، كما كانوا يقدمون الذبائح والهدايا لآلهتهم. رابعا، النقوش الرعوية (يعد الرعي من الحرف الأكثر أهمية في حياة الصفائيين، والذين كانوا ينتقلون طلباً للكلأ والماء، من حرَّان إلى النمارة فالصحراء.
وتأثرت قطعانهم بنقص المؤن والماء، فكانت تلجأ إلى النمارة التي حفرت فيها آبار لتجميع المياه وبنيت فيها مخازن للأعلاف). خامسا، الصيد والزراعة (لم يرد ذكر للصيد أو الزراعة في نقوش الدراسة، لكن المؤلف يبين أن الرسوم صورت مناظر صيد استخدمت فيها كلاب الصيد لمطاردة قطعان النعام، كما استعملت في بعضها الرماح والسهام لصيد الطرائد. وأيضاً صورت بعض الرسومات مظاهر صيد الأسود إذ يظهر عدد من الرجال يحيطون بأسد، وهم يحملون الرماح الطويلة).
المؤلف في سطور
غازي محمد يوسف علولو، باحث وكاتب سوري، متخصص في دراسة الحضارات والثقافات والديانات القديمة، خصوصا في المنطقة العربية. شغل مسؤوليات ومهام كثيرة، وقدم دراسات وأبحاث متعددة في المجال.
الكتاب: نقوش صفائية جديدة من جنوب سوريا دراسة تاريخية تحليلية
تأليف: غازي محمد علولو
الناشر: وزارة الثقافة السورية دمشق 2011
الصفحات: 352 صفحة
القطع: الكبير

