يستهل كتاب "الديمقراطية والنهضة.. في مشروع الشيخ خالد محمد خالد"، لمؤلفه عطية مسوح، أبحاثه، بتوضيح نقطة اساسية، مفادها ان السمات الأساسية اللازمة لكي نطلق على دعوة ما، أو نشاط فكري ما، صفة (المشروع)، تتمثل في: قراءة الواقع ونقده وتحديد سلبياته الكبرى، اقتراح البدائل التي تكفل تغيير هذا الواقع، أن تشمل القراءةُ كلَّ جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
يؤكد المؤلف ان جميع تلك الركائز، متوفر في مشروع خالد محمد خالد، هذا المشروع (التنويري) الذي يتجه الى معالجة مشكلة مركزية، وهي: الجهل وانغلاق العقل.. وصفةَ (النهضوي)، إذ يرمي إلى متابعة النهضة العربية التي بدأت ملامحها تظهر، منذ أوائل القرن التاسع عشر، ولأنه، من جهة أخرى، يضع اليد على المفاتيح الرئيسية للنهضة والتقدم، وفي مقدمتها حل مشكلة التفكير، وحرية التعبير عن الرأي، وتأمين مشاركة أوسع الشرائح الشعبية في الحياة السياسية والثقافية، ومعالجة أوضاع المرأة العربية، وتقريب المسافة بين الريف والمدينة.
يوضح مسوح انه يمكن اعتبار مشروع الشيخ خالد محمد خالد حلقة من حلقات (الإصلاح الديني)، بل إنه بمثابة عودة إلى الحلقة الأهم التي مثلها الإمام محمد عبده، مع التشديد على أن مشروع خالد جاء أكثر اتساعاً وعمقاً، كونه لم يكتف بالتركيز على (الإصلاح الديني) بل تعداه إلى (الإصلاح السياسي)، وتناول بالبحث مسألة الديمقراطية.
وأساليب الحكم (التعددية)، وحرية الرأي، وحرية الصحافة.. وقد كتب الدكتور غالي شكري (في مجلة القاهرة مارس 1996) أن هذا المفكر، في معظم مراحل حياته، ظل معنياً بالإصلاح السياسي والاجتماعي، وهو، في جوهره، الإصلاح الليبرالي.
ويرى المؤلف، انطلاقاً من دعوة الشيخ خالد القوية إلى العدالة الاجتماعية، وإلحاحه المستمر على ربط أي إصلاح سياسي واجتماعي بتحقيق العدالة، واعتماداً على تصريحه (في كتابه من هنا نبدأ- صفحة 121) بأن الاشتراكية هي الحل ولا شيء سواها يعبرُ عن حقيقة العدالة الاجتماعية، انه يمكن تصنيف مشروعه في حقل التيار الاشتراكي.
ولكن الشيخ، حسب مسوح، مختلف عن غيره من الدعاة، حتى في هذا المضمار، فهو يرفض فكرة الثورة ويدعو إلى تحقيق العدالة والاشتراكية، من خلال (خطوات تدريجية).
ويوضح مسوح، أنه وإبان الفترة التي سادت فيها فكرة الحاكم (المستبد العادل)، في العالم العربي، ايدت غالبية المفكرين العرب، ومنهم محمد عبده، هذه الفكرة، ولكن الشيخ خالد انتقدها قائلاً: "..لعل الشرق كله لا يزال يردد في إيمان ونشوة الكلمة المعزوة إلى السيد جمال الدين الأفغاني (لن يُصلح الشرق إلا مستبد عادل).. أصحيح هذا؟
أيمكن أن يكون الحاكم مستبداً وعادلاً معاً؟ نريد أن نقول لجماهيرنا التائهة هذا هراء. والرجل الواحد والحزب الواحد استبداد وإفك ودمار". ويختار مسوح التعريف بالشيخ بطريقة خاصة، مبينا ان عامة القراء في العصر الحديث، يعتقدون أن سبب شهرة الشيخ خالد محمد خالد، كتابه (رجال حول الرسول)، إلا ان كتابه الأول (من هنا نبدأ) الذي صدر في فبراير 1950، هو الذي وضع الحجر الأساس في شخصيته.
إذ شكل علامة فارقة في مسار الفكر بالعالم العربي، وذَكَّر القراء بكتاب (في الشعر الجاهلي) لطه حسين، بما أثار من نقاشات حادة، وردود فعل غاضبة، وحملات فكرية وسياسية عليه، وصلت إلى حد المنازعات القضائية.
ويبين مسوح، انه كان الشيخ خالد محمد خالد وجمال عبد الناصر، ينظر أحدهما للآخر نظرة الند للند.. وفي اللقاء الأول بين الرجلين في سنة 1956، بدعوة من عبد الناصر، وفي منزله،
وأما اللقاء الثاني الذي جمعه بعبد الناصر، فكان في سنة 1961، بعد فشل تجربة الوحدة مع سوريا، وذلك ضمن فعاليات اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني للقوى الشعبية، الذي كان يعج بمؤيدي الرئيس، المستعدين في أية لحظة لأن يبصموا للرئيس على أن (اللبن أسود).. فوقف الشيخ خالد ليقول، إن أسباب الفشل يمكن اختزالها في (غياب الديمقراطية)!
المؤلف في سطور
عطية مسوح، باحث وكاتب سوري، متخصص بالقضايا الفكرية والثقافية. قدم مجموعة من المؤلفات، ومنها: مقاربات في الفكر والثقافة، الماركسية من فلسفة للتغيير إلى فلسفة للتنوير، والماركسية وأسئلة العصر.
الكتاب: الديمقراطية والنهضة في مشروع الشيخ خالد محمد خالد
تأليف: عطية مسوح
الناشر: دار نون 4 حلب 2012
الصفحات: 160 صفحة
القطع: المتوسط

