من المعروف عن ستيفان كولليني، أستاذ التاريخ الفكري والأدبي الإنجليزي، في جامعة أكسفورد، أنه أحد الأصوات الأكثر بروزاً في النقاشات الدائرة في بريطانيا، وغيرها من البلدان المتقدمة، حول الجامعات ودورها التعليمي والاجتماعي. وفي هذا السياق، يكرّس كتابه الأخير للتساؤل التالي: «بماذا تنفع الجامعات؟»، كما يقول العنوان الرئيس فيه.
وعلى مدى فصول الكتاب، يحاول المؤلف شرح الأسباب التي تستدعي من البلدان عامة، ومنها المتقدمة خاصة، القيام بنوع من إعادة النظر وإعادة التفكير بجامعاتها، وايضا في أسباب الحاجة إليها. ولا يتردد كولليني في إعلان رفضه ومناهضته للرأي القائل، انه ينبغي على الجامعات، أن تثبت مساهمتها في الحصول على المال، لتبرر حصولها على كميات أكبر منه.
ويدافع كولليني، بالمقابل، عن ضرورة التأمّل في مختلف نماذج المؤسسات الجامعية والأدوار المتميّزة التي تلعبها. ويخلص هنا إلى التأكيد على أنه لا يمكن استثمار العلوم الإنسانية لغايات اجتماعية مباشرة، فهي لا تجلب المال بطبيعتها، رغم أنها في صميم البحث الفكري، وتجذب الكثير من الطلبة والباحثين إليها. وفي المحصلة يصل المؤلف إلى القول، ان هناك صعوبة كبرى في تبرير إعطاء أهمية كبرى لها، في زمن تحظى فيه العلوم والتكنولوجيا، بأكبر قدر من الاهتمام.
ويطرح المؤلف الكثير من الأسئلة حول النظرة للجامعات، وكذا مفهوم مستقبلها في السياق العالمي الراهن. فما هي فائدتها؟ وهل ينبغي أن تكون مثل أية مؤسسة أخرى في عصر الليبرالية السائدة؟ وهل عليها أن تدخل في المنافسة على الأسعار؟ وهل يمكن اعتبار الطلبة مجرّد مستهلكين؟
وهل أن همّهم الوحيد، الحصول على فرصة عمل لاحقا؟ إن جميع هذه الأسئلة، وأيضا العديد غيرها، يحاول المؤلف الإجابة عنها في هذا الكتاب. ويرى المؤلف أن أحد المخاطر المهددة للجامعات، يتمثل في سيادة إيديولوجية السوق، التي تمثل، اليوم، وإلى حد كبير، نمط التفكير الرسمي حيال التعليم العالي. وذلك على خلاف مبادئ مثالية شائعة لدى عامة الناس، حول الجامعات ودورها.
يكتب المؤلف: "شاعت خلال سنوات محددة، في بريطانيا، فكرة مفادها أن الجامعات تخدم غايتين اثنتين، وتحقق هدفين فقط. والغاية الأولى هي تجهيز الشباب، بما يؤمّن لهم عملا في اقتصاد يتطوّر بسرعة. وأما الأخرى، فهي في المساهمة بعملية النمو الاقتصادي، وتطوير المنتجات المتقدمة، الضرورية للمنافسة في السوق العالمي اليوم. ويرى البعض أن أحد الأدوار الأساسية المطلوبة من الجامعات، اكتشاف أدوية تفعل المعجزات، ضد الأمراض المستعصية.
ومن السمات الأساسية التي يؤكد عليها المؤلف، بالنسبة لجامعات بريطانيا اليوم، أنها لم تعد تعمل، رسميا على الأقل، على شاكلة الأندية الاجتماعية لأبناء طبقة النبلاء، أو كمكان لتشكيل كهنة الكنيسة الانغليكانية (السائدة في بريطانيا). والتأكيد أيضا، على أنه بعد الحرب الثقافية التي أعلنتها حكومة مارغريت تاتشر، على الجامعات، أصبحت هذه تعمل كمنظمات لإدارة الأعمال التجارية.
ويشرح المؤلف، على مدى فصل كامل، المفهوم الذي قال به الكاردينال جون هنري نيومان، الذي اعتبر فيه أن الجامعات موجودة من أجل رفع المستوى الفكري للمجتمع. وينهي تحليلاته في هذا الفصل بالقول ان مفهوم الكاردينال، لم يعد يجد من يأخذ فيه.
أما التعريف الذي يقدمه ستيفان كولليني للجامعة راهنا، في البلدان الغربية، فيمكن أن يجسده، التعبير القائل: "زواج توافقي بين نموذج المدرسة، ونموذج مختبر الأبحاث". ولكنه يقدم أيضا، تعريفا آخر للجامعة، مفاده، أنها مؤسسة لطيفة، ولكنها لا تتلاءم كثيرا مع العصر.
ويمكن القول ان هذا الكتاب، مؤلف من قسمين رئيسيين. يخص الأول منهما، نوعا من توصيف الميول الراهنة والقريبة العهد للتعليم العالي، في المملكة المتحدة البريطانية، وهو فعليا، قسم نقدي إجمالا، يبتعد عن التغنّي بأمجاد الماضي التعليمي العريق. وكذلك التأكيد على أن هناك عددا من المسائل الجوهرية، التي تتحدد على أساسها نوعية الجامعات الحديثة، مثل: التزايد المتعاظم لعدد الطلبة، وتوزعهم على الكليات والفئات الاجتماعية التي ينحدرون منها.
واما القسم الثاني، فيخص دراسة موقع مختلف العلوم والمشارب في الدراسات الجامعية اليوم، وخاصة الاجتماعية والطبيعية التي تواجه، بمجملها، عددا كبيرا من الضغوط. وفي جميع الحالات، يتم التأكيد على أن البحث عامة، أصبح ضربا من المستحيل، دون توفر تمويل خارجي، وحيث هناك سباق إلى التسلّح، بين الجامعات على جبهة المساعدات الخارجية.
وهكذا مضى الزمن الذي كانت فيه الحكومات من يقوم بسد حاجات الجامعات، إذ إن المطلوب من الجامعات اليوم، المساهمة في سد حاجات الحكومات. وتجري الإشارة في هذا السياق، إلى أن الجامعات البريطانية هي التي تتمتع بأكبر قدر من الاستقلال الذاتي، على صعيد القارة الأوروبية.
إن هذا الكتاب يلقي الضوء على أوضاع التعليم العالي في الجامعات الأوروبية عامة، والبريطانية منها خاصة، ذلك في عالم سيادة السوق. وبعد التحليل والدراسة يصل المؤلف إلى نتيجة جوهرية، مفادها أن مستقبل التعليم العالي يتعلق بدرجة التوازن التي يمكن الوصول إليها بين مستلزمات مغامرة المعرفة وضرورات الاقتصاد.
المؤلف في سطور
يعمل ستيفان كولليني، أستاذاً للتاريخ الفكري والأدبي الإنجليزي في جامعة كمبردج، وهو عضو في الأكاديمية البريطانية. يسهم في الكتابة في العديد من الصحف والدوريات، مثل: "الغارديان"، "مجلة لندن للكتب". ومن مؤلفاته: المثقفون في بريطانيا، دعاة الأخلاق.
الكتاب: بماذا تنفع الجامعات؟
تأليف: ستيفان كولليني
الناشر: بنغوان برس لندن 2012
الصفحات: 240 صفحة
القطع : المتوسط
What are universities for Stephane Collini
Penguin Press - London- 2012
240 .p
