يقدم كتاب «أطلس القاهرة الأدبي.. مائة عام في شوارع القاهرة»، لمؤلفته الدكتوره سامية محرز، قراءة معمقة لتفاصيل وخفايا وجماليات الحياة الاعتيادية في شوارع وحارات القاهرة، إذ تبدو مؤلفته وكأنها تضع عدستها ذات السطح الزجاجي الأملس الحساس، فوق وجه القاهرة، فتظهر ملامح العاصمة بوضوح وجلاء، ويتبدى الوجه المتعب بكل ما يحمل من تجاعيد وخطوط وعلامات الزمن. وتشهد البنايات والأحياء والشوارع والأمكنة على الأحداث، كما تؤرخ معها للأفراح والأحزان.

وتروي المؤلفة مع هذه المعالم والنقاط، تاريخ مصر. ومعها نقرأ تغيرات وتطورات عدة، طرأت على قاهرة المعز خلال القرن العشرين. وعدسة محرز التي تستخدمها هنا هي النصوص الأدبية المختلفة التي تناولت أحوال القاهرة. فنحن نقرأ معها النص الأدبي، ونستعيد كلماته وعباراته، ونتذكر أحداثه، ومعه نقرأ التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعمراني الذي شهدته القاهرة خلال تلك الحقبة.

ويقدم أطلس القاهرة الأدبي، طوبوغرافيا أدبية متضافرة لتاريخ المدينة الاجتماعي والثقافي والسياسي، من خلال مئة عمل لكتَاب مصريين وعرب، يمثلون أجيالا عدة من الرجال والنساء، والمسلمين والأقباط واليهود، من مواطني هذه الحاضرة المعولمة ومحبيها، الذين يكتبون عنها بالعربية أو الإنجليزية أو الفرنسية.

وتحاول المؤلفة في اختيارات الأطلس، تتبّع خارطة التغيرات في الجغرافيا السياسية للمدينة ونسيجها المدني، إضافة إلى تطورات قرن كامل لأساليب الإنتاج الأدبي، وكذلك اختبار مدى سطوة الطبقة والجنس والعرق والخلفية الإثنية وتشكيلها على هذه الضروب الأدبية في إعادة بناء المشهد المديني.

ويعرض الكتاب في البداية، نمو المدينة على صعيد العمران والأحياء والبنايات. ويبدو قلب القاهرة وكأنه ينفض عن وجهه غبار الزمان. إذ يعيش القارىء هنا، أجواء القاهرة القديمة بكل ما تحمل من عبق خاص، كما يعيش أيضا في أرجاء القاهرة الحديثة الصاخبة، قاهرة «المولات» والعمارات الشاهقة والأحياء الأنيقة.. قاهرة الزحام ، مع حديث عيسى بن هشام لمحمد المويلحي و«زقاق المدق» و«خان الخليلي» لـنجيب محفوظ، و«حمام الملاطيلي» لإسماعيل ولي الدين، وايضا «قنديل أم هاشم» ليحيى حقي، و«رحلات الطرشجي الحلوجي» لخيري شلبي و«هليوبوليس» لمي التلمساني.

وكذلك العديد من الكتاب الآخرين، إذ نتعرف مع هذه النماذج على خارطة القاهرة ومعالمها. وتعد هذه النصوص أمثلة على التغيرات التي اعترت تمثيلات القاهرة في النصوص الأدبية خلال القرن العشرين، فمن عتاقة الأسلوب والبيان واللغة والإيقاع عند المويلحي، إلى التقليد الروائي الرمزي الحديث في نص محفوظ، إلى التقنيات السردية الجريئة لدى شلبي المتكئة على استراتيجيات التقليد الشفوي في حكي القصص الشعبية.

ثم ترصد المؤلف، ثانيا، الأماكن العامة في القاهرة، من خلال الأعمال الأدبية، والتي تعد بمثابة علامات مميزة للمدن.. المقاهي.. الفنادق.. الأبنية. النوادي.. الحمامات الشعبية. فهذه جميعها، تشهد على نمو العاصمة من ناحية، وتكسب المدينة شخصية خاصة من ناحية أخرى، فضلا عن بصمتها التاريخية. وكذلك، بالرغم من التعديات التي تنال منها، تحمل هذه الأماكن حكايات وقصص الوطن، وذلك مع ابداعات يوسف السباعي ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومحمود الورداني وصنع الله إبراهيم وأحمد العيادي، إذ نزور هذه الأماكن العامة ونعيش في أرجائها.

وبعد ذلك يعرض الكتاب للأماكن الخاصة، وندخل هنا داخل أروقة القصور والبيوت، ونعيش بين الجدران والحوائط، فنجلس في الغرف ونتعرف على تفاصيل الحياة اليومية للأثرياء والفقراء معا، ويختلف الخارج عن الداخل في كثير من الأحيان، وتعكس البيوت القديمة طبيعة الشخصية المصرية، وهناك ايضا العمارة الداخلية التي اشتهرت بها بنايات القاهرة القديمة (الحوش، المشربية) والتي تترجم ثقافات وسلوكيات وعادات شرقية وإسلامية. وهناك أعمال أدبية عديدة تعرض لهذا الأمر، منها: ثلاثية نجيب محفوظ، و«نحن لا نزرع الشوك» ليوسف السباعي.

وأخيرا ترصد المؤلفة حركة القاهرة.. هذه العاصمة التي لا تهدأ أبدا، والتي لا تكاد تنام، لا في الليل ولا في النهار، هي في حالة حراك دائم، ومع الحراك يحدث التطور والتغيير. كما تبين الكيفية التي تؤثر بها شبكة النقل في وسط القاهرة على فهمنا وقراءتنا للمدينة وحيوات سكانها، حيث تصبح عدة عوالم بحد ذاتها، ولها دينامياتها المميزة ومستويات تفاعلها الإنساني والاجتماعي، فضلا عن طرائقها المميزة في رؤية القاهرة والوجود فيها.

 

الكتاب:أطلس القاهرة

 

الأدبي.. مائة عام في شوارع القاهرة

تأليف: الدكتوره سامية محرز

الناشر: دار الشروق-القاهرة، 2012

الصفحات: 434 صفحة

القطع: المتوسط