يأتي هذا الكتاب لسيلفيا نازار، كصيغة نادرة لمسار بحث متخصص بالاقتصاد وعوالمه، وذلك بعد ان كانت قدمت هذه الأستاذة في المدرسة العليا للصحافة التابعة لجامعة كولومبيا، كتابا نال إقبالا كبيرا، تحت عنوان: "العقل الجميل". إذ تكرس المؤلفة كتابها الاخير للبحث المعمق في مسار أصحاب النظريات الاقتصادية الكبرى في العالم، تحت عنوان: "المطاردة الكبرى".
والذي تتعرض فيه لـ"قصة العباقرة الاقتصاديين"، كما جاء في عنوانه الفرعي. فهؤلاء العباقرة يتم النظر إليهم على أنهم "صانعو الاقتصاد الحديث". والتأكيد على أنهم ساهمو، من مواقعهم، في تحسين الظروف المعاشية المادية للبشر، بل تصل المؤلفة إلى حد القول، انهم أنقذوا الإنسانية من البؤس. وهكذا ساهموا، بالوقت نفسه، في صياغة التاريخ البشري كله، من خلال منح الإنسان عدة وسائل لتعزيز موقعه بمواجهة الوسط الذي يعيش فيه.
وتنطلق المؤلفة في تحليلاتها، من تقديم نوع من الشهادة، حول واقع الفقر والفقراء في مدينة لندن، في فترة منتصف القرن التاسع عشر. وقد وجدت بعض مرجعياتها في الأدبيات المنشورة خلال تلك الفترة، وليس أقلّها شهرة، كتابات شارل ديكنز. وهي تشير إلى أن الفقراء كانوا يشكلون آنذاك، النسبة الأكبر من سكان مدينة لندن، عاصمة التاج البريطاني، ذلك في الوقت الذي كانت فيه المدينة، هي الأكثر ثراء والأكثر بريقا في العالم.
وتقوم المؤلفة على مدى فصول هذا الكتاب، بتوصيف الجهود التي بذلها عباقرة اقتصاديون، مشهود لهم في العالم أجمع، من أجل ترجمة أفكارهم إلى أفعال. وهؤلاء يحملون أسماء لامعة، مثل كنزي وشومبيتر وانجلز وهايك. وأيضا الاقتصاديان الأميركيان الشهيران بول سامويلسون وميلتون فريدمان، وكذلك دون نسيان الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، ذي الأصل الهندي: اماتيا سن. وتشرح المؤلفة كيف أن هؤلاء المفكرين المناضلين، حوّلوا العديد من بلدان أميركا وأوروبا إلى بلدان متطورة، وأفكارهم هي بصدد أن تساهم في تغيير بقية بلدان العالم.
ومن خلال قصص حياة أولئك الذين أعادوا تنظيم طريقة البشر في التفكير، حيال الإمكانات التي تمنحها الحياة، تقوم المؤلفة بتحليل آليات تطور الاقتصاد الحديث. وبهذا المعنى يمثل تاريخ الاقتصاد، موضوع هذا الكتاب. ويجري التأكيد على أنه، ورغم الحالة الصعبة التي يعاني منها اقتصاد البلدان الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والبلدان الأوروبية.
حيث تصل البطالة إلى نسب عالية جدا، وأوروبا هي على حافة الهاوية وغير قادرة على دفع التزاماتها، رغم هذا كله، سيجد الاقتصاديون مخرجا عبر البحث عن حلول. وتجد المؤلفة في خروج الولايات المتحدة من الكساد الكبير، الذي أعقب نشوب أزمة عام 1929، يجسد مثالا على القدرات التي يتمتع بها عباقرة الاقتصاد.
وإذا كانت مؤلفة الكتاب تولي اهتمامها للعالم الغربي وللعالم عامة، فإنها تركّز خاصة على العاصمة البريطانية لندن. ومن هنا تأتي العودة مرارا إلى كتابات الروائي اللندي شارل ديكنز، الذي كان مأخوذا، كما تشير المؤلفة، بالمسألة الكبرى التي عرفتها حقبة الملكة فكتوريا، والخاصة بـمكافحة الفقر.
إن الأفكار الأساسية التي تقدّمها المؤلفة، تنضوي على الدفاع عن الرأسمالية، عبر شرح واقع أن الاقتصاديين قاموا بتحليل لآليات عملها، وإظهار أنها، أي الرأسمالية، تشكل في المحصلة محرّكا للتقدم وليس لنشر اليأس.
وتشرح سيلفيا نازار، أنه خلال قرن من الزمن، بين عامي 1850 و 1950، حاول الاقتصاديون أن يشرحوا الأسباب التي تجعل الجزء الأكبر من الإنسانية، محكوما عليه بالفقر. ويتم في هذا السياق، شرح أفكار عدد من الاقتصاديين الذين تركّزت رؤيتهم، على اعتبار أن الأسواق الحرة تشكّل الشرط المسبق، من أجل الازدهار الاقتصادي، مع إضافة حقيقة أن آليات عمل هذه الأسواق يمكن أن تتحسّن عبر عمل الحكومات. وتتم الإشارة الى أن كنزي كان من أنصار مثل هذه المقولة، ولكن اقتصاديين آخرين عارضوه إلى هذه الدرجة أو تلك.
الكتاب: المطاردة الكبرى.. قصة العباقرة الاقتصاديين
تأليف: سيلفيا نازار
الناشر: سمون وشستر- نيويورك - 2011
الصفحات: 576 صفحة
القطع: المتوسط
Grand pursuit
Sylvia Nasar
Simon and Schuster- New York- 2011
576 .p

