يقدم كتاب "صاروخان.. الكاريكاتير والانتماء"، لمؤلفه الدكتور مروان الخطيب، لموضوع دراسته، بالإشارة إلى أن الكاريكاتير فن عريق، شكل للناس أهمية كبيرة في مختلف الحضارات الإنسانية.
وينتقل مروان الخطيب، إلى الحديث عن فن الكاريكاتير في مصر، موضحاً أنه يذكر المؤرخون للصحافة العربية في مصر، أن الصحافي يعقوب صنوع هو أول من أدخل هذا الفن إلى الصحافة المصرية، برسوماته التي نشرها في مجلة "أبو نظارة". وأيضاً قبلها نهجت "الكشكول" الأسلوب التهكمي الساخر إلى جانب الرسومات الكاريكاتيرية الطريفة، ومن ثم تتالت الصحف والمجلات التي تخصص بعضها في هذا الأسلوب الهزلي الساخر، سواء بالكلمة أم بالرسم، أو بكليهما معاً.
وانتشرت هذه الصحف الهزلية في مختلف الدول العربية. وكان لها تاريخ حافل في كل من سوريا ولبنان منذ العقود الأولى للقرن العشرين. ويؤكد المؤلف أنه كما كان لمدرسة الفنون الجميلة التي أسسها الأمير يوسف كمال في مصر، دورها في خلق القاعدة الأولى لهذا الفن، إذ استقدم إليها ثلاثة من كبار الرسامين الأجانب، وكان على رأسهم الفنان الإسباني سانتيس. وصدرت، عقبها، وبعد ثلاث سنوات تحديداً، ثاني مجلات الكاريكاتير المصري "خيال الظل" ورسم فيها علي رفقي، وهو تركي الأصل. ومن ثم ظهر فجأة رسام ثالث أدهش الناس ببراعته وقدرته على تحليل الشخصية المصرية :
"صاروخان". ويلفت الخطيب الى أن هذا الرسام الأرمني: صاروخان، شكل بداية مرحلة كاريكاتيرية جادة، انذاك، في تاريخ الصحافة المصرية، بعد أن أعلن عن المؤشرات والبذور الأولى لولادة الكاريكاتير الوطني المصري، على أيدي بعض تلامذته الذين تأثروا بأسلوبه وموضوعاته وشخصياته الكاريكاتيرية التي ابتكرها في ما بعد، وأبرزها شخصية "المصري أفندي".
ويبين المؤلف كيف استطاع صاروخان، عبر مسيرة نصف قرن من الإبداع، أن يدون اسمه في السجل الذهبي للكاريكاتير العالمي، كواحد من أبرز أعلامه، خاصة وأن ريشته استطاعت أن تلتقط كل ما يدور في خاطر الناس، إذ أثار الأسئلة الذكية، الساخرة. ولم تكن العيوب الجسمية أو الشكلانية هي الموضوع الأبرز عند صاروخان، ذلك لأنه لا يقصد المداعبة والملاطفة والضحك لمجرد الضحك.
بل إنه تعامل مع ما هو داخلي في الحياة الشخصية لموضوعه أو في الحياة الاجتماعية العامة، فعكس المونولوج الداخلي وأبرزه في الحوار والتعليق التهكمي الساخر، وبذلك فإنه تمكن من عقلنة وتسييس "المصري أفندي" : المواطن البسيط، الطيب القلب والمغلوب على أمره.
ويقدم الخطيب نبذة عن حياة وابداعات الكساندر صاروخان، مشيراً إلى أنه ولد في عام 1898 في الأول من أكتوبر، بقرية اردانوش في القوقاز، وتلقى دراسته الابتدائية في مدينة باطوم على ساحل البحر الأسود بأرمينيا. ثم انتقل مع أخيه إلى اسطنبول، ودخل عام 1915 معهد المختارين، وبعد ذلك غادر إلى فيينا عام 1922 ليدرس فن الرسم "الغرافيك والتبنوغرافيا". كما أتقن صاروخان سبع لغات عالمية.
ولكن ظلت لغة الرسم الكاريكاتيري هي اللغة الأساسية، وركزت بمثابة لغته الثامنة التي تحدث بها دون انقطاع، زهاء ستين عاماً. ويجمل الخطيب، مختلف محطات حياة وابداع صاروخان، وصولاً إلى التقائه في فيينا، بشاب مصري كان يدرس هناك، قدم نفسه على أنه من عائلة مصرية ثرية، ويطمح الى تأسيس مجلة مصرية كبيرة ومهمة تعتمد أساساً على الكاريكاتير، وأقنعه "محمد" بأنه يملك في القاهرة أحدث مطبعة بالألوان وداراً عظيمة للنشر، وسيعطيه خمسة عشر جنيهاً مصرياً، في كل شهر، بخلاف السكن ونفقات السفر. واقترض "محمد" من صاروخان ما لديه من نقود، بحجة أن مدير أعماله تأخر بإرسال مبلغ من المال إليه.
وسبقه إلى مصر اكتشف الخدعة، ومن ثم بدأت مرحلة جديدة من حياته. ويدرج المؤلف، ما يقوله الصحافي مصطفى أمين في هذا الخصوص: "رأيته أول مرة عام 1927 في ورشة الحفار الأرمني "بربريان"، ابتسم بوجهي دون أن يعرفني، ثم أمسك ورقة وقلماً وراح يرسمني بسرعة مدهشة، وبعد دقائق قدم لي صورتي الكاريكاتيرية، ولم يكن يعرف كلمة واحدة من اللغة العربية، ولكن رسومه كانت تتكلم وتبتسم وتضحك .. وعرفت أنه رسام مفلس ... ضحية شاب مصري من المنصورة...".
ويبين المؤلف أن صاروخان، حصل، بعدها، على وظيفة مدرس للرسم في المعهد الفني الأرمني في بولاق، وذات يوم قابل في ورشة بربريان، الصحافي المصري محمد التابعي- رئيس تحرير مجلة "روز اليوسف "، التي كانت تنشر صوراً كاريكاتيرية على غلافها، فأعجب الأخير برسومه وعينه رساماً للمجلة بالقطعة، وهكذا وجدت "روز اليوسف " من ينافس مجلة "الكشكول" ورسامها الإسباني سانتيس.
ثم ما لبثت صور صاروخان أن نجحت نجاحاً ضخماً، واكتسحت صور الرسام الإسباني.
ويطلعنا الخطيب على المحطة التالية في مشوار تألق وابداعات صاروخان، وذلك حين انضم في سنة 1946 إلى دار "أخبار اليوم"، وأصبحت رسوماته تنقل وتطبع في مجلات أوروبا وأميركا. وكذا كانت تلك الرسومات حديث العالم العربي كله، وبعد الحرب العالمية الثانية دخلت مصر حياة العالم المعاصر، وجذبت صاروخان هذه الافاق الجديدة التي تجمع بين المصري والعربي والعالمي.
الكتاب: صاروخان .. الكاريكاتير والانتماء
تأليف: د. مروان الخطيب
الناشر: دار الصداقة حلب 2011
الصفحات : 120 صفحة
القطع: المتوسط

