يقدم كتاب " ثورات القوة الناعمة في العالم العربي- من المنظومة إلى الشبكة"، لمؤلفه علي حرب تفسيرا وتقييما لواقع ثورات الربيع العربي، كما يحلل ماهيتها ومستقبلها، ناهيك عن معرفة سياقاتها وخلفياتها، وأيضا السلطات التي أطاحت بها تلك الثورات.
يؤكد حرب ان العرب أذهلوا العالم بثوراتهم التي جاءت كزلزال اهتزت معه أوضاع راكدة منذ عقود طويلة، بقدر ما أسقطت أنظمة حكم عاتية وهوت أصنام فكرية خاوية . وكان من مفاعيل ذلك أن تغيرت المعطيات وتبدلت التحالفات وانقلبت المعادلات، بقدر ما ظهر فاعلون جدد على المسرح، بنمطهم ونماذجهم .
ويجد المؤلف أن أهم الفاعلين في ثورات القوة الناعمة، هم "الناشطون في الميادين" ممن استثمروا على نحو خلَّاق وبنّاء، فتوحات عصر العولمة والمعلومة والشبكة . فهذه الفئات هي التي أشعلت الشرارة، وحملت المبادرة، وفاجأت الجميع، وتحملت الجزء الأكبر من العنف الذي مارسته السلطات الحاكمة لقمعهم. ويشير المؤلف إلى ان الثورات العربية، شأنها شأن كل الثورات، لم يكن للمثقف دور واضح فيها، وبالتالي فهذه الثورات يمكن أن ينظر إليها كردة فعل على فشل المثقفين في فرض مشاريع الحداثة والحريات والعدالة على الأنظمة الدكتاتورية العربية.
فهي التي كسرت حاجز الصمت والخوف، وسمحت للجميع أن ينخرطوا في صناعة الحدث ويكتشفوا أن هناك شكلاً جديداً من العمل الثوري .
وما يميز العمل الثوري العربي الجديد، حسب حرب، هو امتزاجه بالوسائل الديمقراطية والتقنية، إذ يذهب حرب أن هناك صيغة جديدة للعمل الثوري قد "اخُترعت" في العالم العربي، وتحولت هذه الصيغة إلى نموذج يجمع بين الميادين والمظاهرات والغناء والانترنت والاعتصامات والمواجهات، حتى ان هذا النموذج أخذ يُستلهم في مناطق أخرى، منها: وول ستريت في واشنطن، ساحة الكرملين في موسكو .
ولا ينسى حرب، الرفق بالقوارير، فمع الثورات الناعمة، كسرت المرأة الوصاية وشاركت بفاعلية في الثورات في الساحات والميادين . فالمرأة اليوم تحولت الى عنصر فاعل وسلاح قوي في المقاومة والاحتجاج ومواقع التواصل الاجتماعي، كما دفعت ثمنا باهظا في كثير من الحالات.
وتعرضت للضرب والسجن والتنكيل . وأما أكثر فئتين خاسرتين من الثورات، فهما الديكتاتوريات والأصوليات . فالثورات العربية أطاحت بعدد من الديكتاتوريات وعرت الأصوليات، على الرغم من استلام بعض القوى الإسلامية للسلطة في بعض البلدان التي نجحت فيها الثورات . فالثورات العربية ليست فقط إسقاط الأنظمة السياسية بل " تغيير النظام العربي بعدته وعاداته وآلياته "
كما ان الثورات، حسب حرب، طوت صفحة أساليب النضال التقليدية، ضد الظلم والطغيان. فاليوم سقط النموذج النضالي الآفل لحركات التحرر الوطني التي أخفقت في شعاراتها، كما فشل النموذج النخبوي الذي قاده عدد من المفكرين أصحاب المشاريع الفكرية الكبرى، مثلما أفلس النموذج الجهادي القاتل الذي تتبناه الحركات الأصولية . فكل تلك النماذج استهلكت وتداعت مع ظهور الثورات العربية التي غيّرت كل الموازين، وقدمت نموذجاً مختلفاً وفعالاً .
ويبقى الرهان، من وجهة نظر المؤلف، على أن تنجح الثورات العربية في تحقيق نماذج مدنية وتنموية وحضارية، تسمح للعرب بأن يلجأوا إلى الحضارة الحديثة، من أوسع أبوابها .
الكتاب: ثورات القوة الناعمة في العالم العربي .. من المنظومة الى الشبكة
تأليف: علي حرب
الناشر: الدار العربية
للعلوم ناشرون
بيروت 2012
الصفحات: 240 صفحة
القطع: الكبير
المؤلف في سطور
علي حرب، كاتب ومفكر لبناني. لديه العديد من المؤلفات، منها: خطاب الهوية.. سيرة فكرية، تواطؤ الأضداد.. الآلهة الجدد وخراب العالم.
وهو معروف بفكره وتوجهاته العلمانية، ويقف موقفاً معادياً من المنطق الصوري القائم على الكليات العقلية، ويتبع منهج كانط في نقد العقل وآلياته وبنيته الفكرية.
