يشير المؤلف أن الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، كان يتصور نفسه عندما كان في الخامسة عشرة، أنه سيصبح ملكا أو بابا الكنيسة الكاثوليكية. كما كان شارل ديغول قد تصوّر نفسه منقذا لفرنسا ذات يوم. وأما فاليري جسكار ديستان فقد كان حدد هدفه في الاحتفال بتوليه منصب وزير الاقتصاد وهو في سن الثلاثين. وبالمقابل كان جورج بومبيدو يميل عندما كان طالبا في المدرسة الثانوية، الى أن يعمل في حقل الأدب ويقوم بتعليمه، وكان جاك شيراك ينكّب على دراسة اللغة السنسكريتية. أما نيكولا ساركوزي فقد كان يحلم بأن يصبح صحافيا أو محاميا.

ويطرح المؤلف بداية، عددا من الأسئلة حول طفولة وشباب الرؤساء الستة الأوائل للجمهورية الفرنسية الخامسة، مثل: ما هو القاسم المشترك بين الجنرال ديغول، سليل الأسرة التي تحمل اسم بلاده "بلاد الغال"، وبين نيكولا ساركوزي، ابن اللاجئ الهنغاري المجري- الذي رفض لفترة طويلة الحصول على الجنسية الفرنسية؟

 وما القاسم المشترك بين فاليري جيسكار ديستان، ابن الأسرة البورجوازية الثرية وجاك شيراك وحفيد المعلّمين في المدرسة الابتدائية؟ وايضا ما الفرق بين فرانسوا ميتران الذي تربّى على قيم الدين والوطن وجورج بومبيدو الذي تلقى تربية علمانية؟ هؤلاء جميعا كان بينهم قاسم مشترك يحدده المؤلف بكلمة الطموح. وتجري الإشارة مباشرة الى أن هذا الطموح لم يبرز بالطريقة ذاتها ولا في العمر نفسه، ولا للأسباب عينها.

فبالنسبة للجنرال ديغول ينقل المؤلف عن أخته ماري انييس، وصفها لأخيها بأنه كان متسلطا ومتمردا في طفولته. إلى درجة أنه رمى ذات يوم، أخاه الأصغر بيير، بالكتب. واحتجزه في الغرفة، مانعا أمهما من دخولها، ولم يحرره إلا بعد فترة طويلة. وتؤكد الأخت أن الأم، ورغم قوة شخصيتها، لم تكن تملك أية سلطة على الفتى شارل، إذ لم يكن يطيعها أبدا. ولكن الأب كان يعاقبه. وتروي الأخت، انه عندما كان شارل في سن الخامسة، كان يلعب خاصة بلعبة الجنود المصنوعين من الرصاص، إذ بدت لديه بوضوح، نزعة القيادة. وتقول: "كان يأخذ باستمرار دور ملك فرنسا، بحيث يتولّى قيادة الجيش الفرنسي، ولم يكن يقبل أي دور آخر".

وبالمقابل، كان على أخيه كزافييه الذي يكبره بثلاث سنوات، الاكتفاء بدور ملك انجلترا. وابن عمه جون، بدور امبراطور روسيا. وبالطبع كان قائد الجيوش الفرنسية هو الذي ينتصر.

ويشير المؤلف الى أن جورج بومبيدو، عرف بعد سنوات المراهقة مباشرة، حياة جامعية صعبة. ولم يكن يتولاه الإحساس بأنه جدير بذلك. وبعض المقرّبين منه اتهموه بإظهار تواضع كاذب. وعندما وجد نفسه بين نخبة من الطلبة المتفوقين في باريس، صرّح : "كنت على قناعة بأنني لست على مستوى أصحاب العقول من النوابغ...".

وتدل مؤشرات طفولة بومبيدو وشبابه، كلها، على أنه كان يشعر بتفوق زملائه من النخبة، عليه.كما كان فاليري جسكار ديستان، الرئيس الثالث للجمهورية الفرنسية الخامسة، طفلا يشعر بالضيق خارج دائرة أسرته. وكان زملاؤه في المدرسة يرونه شبيها جدا بالآسيويين. وينقل عنه المؤلف قوله للكاتب اوليفييه تود: "

كنت خجولا وأصغر قامة من الآخرين (...) كان رفاقي يرون أنني من فئة القبيحين، وشبيه بالآسيويين بحيث كانوا يدعونني بالهندي- الصيني . وفي المحصلة يشرح المؤلف أن فاليري جسكار ديستان لم يكن حاد الذكاء مثل جورج (بومبيدو)، ولا متمرّدا مثلما سيكون جاك (شيراك) ونيكولا (ساركوزي).

ولكن ذلك لا يمنع واقع أنه فاز بجوائز تميّز في طفولته وشبابه، ضمن مواد الجغرافيا والرياضيات والتاريخ والرسم وقواعد اللغتين الفرنسية واللاتينية. وكان فرانسوا ميتران متميّزا منذ طفولته، حيث كان البعض يقول عنه، عندما كان في سن الثامنة: "سيتحدث الآخرون عنه". ويروي المؤلف أنه عندما كانت جدّته تمنعه من لمس شيء ما، كان يقترب منه إلى أقصى حد ممكن. فكانت توبّخه ويجيب:" لكنني لم ألمسه".

ونقرأ عن جاك شيراك في الكتاب: "عندما كان في سن الخامسة عشرة كان يذهب خفية، مثل المراهقين الآخرين، لرؤية الأفلام الغرامية". وقد ذكر في شيخوخته أنه كان يتعلق منذ طفولته بآسيا وحضاراتها:(التقيت بآسيا وأحببتها واكتشفت حضاراتها وعرفت عظمتها ...).. بكل الحالات أراد دائما أن يدفع المحيطين به للاعتقاد بأنه عديم الثقافة ولا يحب الموسيقى العسكرية، ذلك بهدف أن لا يزعجوه".

وعندما كان نيكولا ساركوزي في سن الخامسة، انفصل أبوه عن أمه وترك الأسرة. وكان ابتعاد أمه للعمل، يثير القلق كثيرا لدى الرئيس القادم. وكان ينتظرها كل يوم عند ساعة عودتها أمام سلم المنزل، خوفا من أن لا تأتي، وأن يبقى وحيدا. وذلك الخوف من الوحدة والحاجة لوجود عاطفي بجانبه، لم يفارقانه أبدا، وهنا يختم المؤلف حديثه عن الرئيس السادس للجمهورية الفرنسية الخامسة.

 

 

 

 

 

 

 

الكتاب: سأكون رئيسا.. طفولة وشباب ستة رؤساء للجمهورية الفرنسية الخامسة

تأليف: روبير شنايدر

الناشر: بيران

باريس 2012

الصفحات: 312 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

 

Je serai président

Robert Schneider

Perrin - Paris- 2012

312 .p