يمثل كتاب "شعب ك عظيم ..ومجتمعك جاهلي "، لمؤلفه يوسف حميد معوّض، مجموعة من الرؤى التحليلية الفكرية اتت في قالب مقالات صحافية نشر المؤلف نفسه، معظمها، على مدى عقد من الزمن، في جريدة "النهار" اللبنانية.

ويتناول المؤلف في الفصول الخمسة من كتابه، موضوعات: المجتمع والدولة، المواطنة والمرأة، الدين والعنف السياسي. ونجده يقرأ الحدث ثم يدخل في تفصيلاته، واضعا ملاحظاته النقدية، ومصوبا حينا وموافقا حينا آخر، وكذلك موظفا ذائقته الاكاديمية بأسلوب يقوم على الاستقراء والتحليل والتفسير .

وتحت عنوان "أي مجتمع مدني هذا!"يكتب معوّض في الفصل الأول، تعريفات تتناول الدولة المدنية، وأطرها الفكرية الهامة، والمعوقات التي تحول دون بسط مبادئها، ويرى بهذا الشأن أنه طالما الدولة مؤجلة، فإن المجتمع المدني مؤجل أيضا.

ولا تفوت المؤلف في هذا الفصل، قراءته للاوضاع السياسية اللبنانية والعربية،عبر نقل قلمه بين اليمين واليسار، وبين تعرجات الطوائف وصراع الاحزاب والمذاهب، وكذا بين تضارب النفوذ والمصالح، وكأنه كان على بيّنة من الاحداث الحاصلة، والمتناسلة ثورات متنقلة .

ويميل معوّض الى ابداء الخشية من النزاعات التي تضمر التغيير وتنشده، خوفا على الاستقرار والسلم الاهلي، الذي تكفل حصانته الانظمة الدكتاتورية الرافضة للديمقراطية والتعددية . ويركز معوّض في الفصل الثاني، والذي جاء تحت عنوان"عصب الطائبة والاداء السياسي"،على أعلاء قيم الحوار والتفاهم، طمعا ببلوغ الدولة المدنية المنشودة، وينطلق في معظم مقالات هذا الفصل، من أحداث راهنة، بعيد قراءتها على ضوء أحداث أخرىحصلت في فترات زمنية متباعدة.

 وهو يرى على سبيل المثال رقياً بالتعاطي مع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ورتل الشهداء الذي ألحق به، عبر عنه فريق 14 آذار، وإن لجأ أصحابه الى السخرية أحيانا للتعبير عن غضبهم. وربما رأى انه من المستهجن أن يطل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مهددا ومتوعدا.

ويؤكد المؤلف ان إستقواء شيعة لبنان بسلاح حزب الله والتشبث به، امر سيدفع الافرقاء الآخرين الى السعي لأمن ذاتي، ما يعني إرباك الدولة وزعزعة أسسها. كما يشير ال ان ادعاء الشيعة بأنهم من دعاة وحدة الدولة، تنقضه ممارساتهم الشاذة، التي قد تدفع الى مزيد من التجزئة والتفكك.

وفي الفصل الثالث، يقرأ المؤلف ضمن مجريات الوضع اللبناني الداخلي، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، من خلال عرض للاحداث التي مهدت لاشتعال الحرب اللبنانية عام 1975 . وهو يرى بهذا الشأن، أنه يمكن قراءة تاريخ لبنان على انه صراع بين الطوائف.

كما يمكن إعادة كتابته على أنه صراع بين سلطة مركزية ودويلات متقوقعة وإدارات محلية وقائمقاميات . وصورة لبنان بالماضي، برأيه، هي نفسها في الحاضر . إذ ان الادوار هي نفسها، ولكن الممثلين متغيرون تبعا للمصالح والمحسوبيات.

ويشدد معوّض في كتابه، على أهمية السعي لايجاد سلطة مدنية مركزية، كون الحكم للحكومة بثقة برلمان من مجلسين: مجلس للشيوخ، مجلس للنواب. ويكون فصل بين المناصب التمثيلية والمناصب الاجرائية، إضافة غلى فصل بين السلطات. فيصبح اللبنانيون قادرين على حكم انفسهم بأنفسهم. وعندها يمكن للبنانيين أن يأملوا بدولة ديمقراطية، دولة العدالة والقانون، دولة المساواة والحرية والسيادة .

ويخصّص المؤلف، الفصل الرابع من كتابه: "التبحر بدنيا العرب "، ليقرأ في صلب غزوة العراق وبأبعاد التجربة العراقية بعد سقوط نظام صدام حسين. ويعتبر ان غزوة العراق تمت بغير وجه حق لجهة القانون الدولي العام، وأن تكليف المحكمة العراقية الخاصة بمقاضاة النظام البعثي بدلا من استحداث محكمة دولية بلاهاي- كان أمرا مدبرا، يهدف الى إنزال عقوبة الاعدام بصدام حسين ورفاقه. وبالسياق نفسه، يشكك معوّض بنزاهة المحاكمات، ويُدرج الاعدامات الي حصلت في خانة الاعمال الوحشية، وهي اقرب الى الثار منها الى العدالة .

كما يُعيد المؤلف اسباب اندلاع الثورة المصرية العام الفائت الى عوامل اقتصادية ومعيشية، آخذا على المثقفين وأهل الفكر وناشطي حقوق الانسان، اقتناعهم بان إلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات العامة ومعاقبة الفاسدين، امور ستحل، بمفردها، المشاكل الغذائية المطروحة .

ويختم الكاتب بفصل خامس، وهو بالاساس محاضرة شيقة، عن مود فرج الله (1909 -1995 )، اذ يتناول بطياتها رؤية هذه المرأة المتقدمة، للمراة والمجتمع ولقضية التحرر بشكل عام.

 

 

 

الكتاب: شعبك عظيم ومجتمعك جاهلي

تأليف: يوسف حميد معوّض

الناشر: دار نلسن السويد لبنان 2012

الصفحات: 293 صفحة

القطع: المتوسط