يتناول كتاب "الأصالة والتأثير..أبحاث في الفكر والتراث"، لمؤلفه عبدالواحد ذنون طه، أصالة الفكر والتأثير العربي والإسلامي، ويبدأ المؤلف موضوعات بحثه في هذا الخصوص، من تناول العلاقة بين الشريعة والحكمة، أي بين العقيدة المنزلة ومعطيات العقل الطبيعي، كي يشير لمحاولات التوفيق والتقريب بين الشريعة والفلسفة، لدى بعض الفلاسفة المسلمين، ابتداءً من الكندي (ت 260هـ)، ومروراً بكل من الفارابي (ت 339هـ)، وابن سينا (ت 428هـ).
ويركز على يقين العقل وصدق الشريعة عند ابن رشد، بغية تبيان موقف هذا الفيلسوف من الشريعة والحكمة، بوصفهما مجالين منفصلين عن بعضهما البعض، على الرغم من التقائهما في الغاية، وذلك من خلال فهمه العقلاني المستنير للدين، وبواسطة استناده إلى البرهان العقلي؛ وعلى خلفية رؤيته التي تفيد بأن سلامة الدين والفلسفة، تتجسد في أن يفصل أحدهما عن الأخر؛ وذلك أن الفلسفة تعني الخاصة من الناس، في حين أن الدين يخاطب العامة منهم.
وأما في جانب التأثير الحضاري العربي الإسلامي على الغرب الأوروبي، لا سيما ما تم نقله من الأندلس وتأثيره؛ فيتفق المؤلف مع العديد من الباحثين والدارسين الذين كتبوا الكثير من الدراسات والمؤلفات في هذا المجال، ويبرز على وجه الخصوص، أثر الأندلس على التعليم والجامعات الأوروبية في العصور الوسطى.
وعلى أنظمة الجامعات الأوروبية، ويبيّن أن مؤسسة "الجامعة" هي من مبتكرات الحضارة العربية الإسلامية، وأن التشابه بين الجامعات الإسلامية والجامعات الأوروبية التي نشأت بعدها لم يكن وليد المصادفة. كما أن معظم الكتب الجامعية التي كانت تدرس في جامعات أوروبا في القرون الوسطى، كانت مترجمة عن اللغة العربية.
ويرجع المؤلف الاهتمام العربي بالعلوم عامة، إلى نهاية العصر الإسلامي الأول، عندما أخذ الطابع المدني يغلب على الدولة الإسلامية، وبدأت العلوم العقلية والتطبيقية تأخذ مكانها إلى جانب العلوم الدينية، فيما بقي الجامع موضعاً للعلوم الجديدة، لكن العديد من المدارس العلمية أنشئت لتحقيق المزج بين مختلف العلوم وعلوم الدين الإسلامي.
ويدرس المؤلف دور المساجد في الأندلس، مظهراً أن المساجد الجامعة كانت منذ قيامها، مثلما كانت عليه في المشرق، بمثابة مراكز لدراسة العلوم الدينية واللغوية، ولكنها تحولت مع الزمن إلى جامعات علمية، وبدأت منذ أوائل القرن الرابع الهجري تجذب الطلبة والدارسين إليها من مختلف أنحاء شبه الجزيرة الإيبيرية وبلاد المغرب العربي.
وكذلك من بعض أنحاء أوروبا. وكان كثير من الطلاب المسيحيين يقبلون على الدراسات الأندلسية التي كانت متفوقة في مناهجها ومقرراتها على دراسات الأديرة الأوروبية، حيث كانت تدرس في جامع قرطبة، في ذلك الوقت، مختلف العلوم الدينية والمدنية التي كانت معروفة، ومنها العلوم العقلية والتجريبية، واشتهرت إلى جانب جامع قرطبة، مجموعة أخرى من المساجد الجامعة في إشبيلية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة.
ويرى المؤلف أنه من الطبيعي أن يصل صدى الجامعات العربية الإسلامية في الأندلس، إلى البلدان الأوروبية، ويشهد على ذلك إنشاء جامعة مونبلييه، في أوائل القرن الثاني عشر، والتي اضطر القائمون عليها، لطلب المساعدة ومدهم بالأساتذة والخبراء من الدولة العربية الإسلامية في الأندلس، وجرى تلبية الطلب، وأرسل إلى جامعة مونبيليه، عدد من كبار الأساتذة المسلمين، من مختلف الاختصاصات المعروفة، في ذلك العصر، وخاصة الطب والعلوم والفلسفة.
ويعتقد المؤلف أن ظهور الجامعات الأوروبية تزامن مع بداية نهضة علمية كبرى في القرنين الحادي والثاني عشر الميلادي، وذلك بتدفق العلوم والمعارف الجديدة على بلدان أوروبا الغربية عن طريق إيطاليا وصقلية، وتدفق عدد كبير من الأساتذة والعلماء من الأندلس. وكان نتاج تلك البدايات إنشاء أول كلية في باريس عام 1180م على يد اللورد جون أوف لندن، الذي كان عائداً من القدس.
الكتاب: الأصالة والتأثير أبحاث في الفكر والتراث
تأليف: عبد الواحد ذنون طه
الناشر: دار المدار الإسلامي بيروت 2011
الصفحات:320 صفحة
القطع: الكبير
