لعبت لشبونة، عاصمة البرتغال، دورا مركزيا خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945). وهذا على الرغم من أنها لم تعرف إطلاق رصاصة واحدة طيلة سنوات تلك الحرب. والكاتب والمؤرخ نيل لوشيري يكرّس كتابه الأخير لهذه المدينة. ويحمل الكتاب عنوان "لشبونة"، ويتحدث المؤلف فيه عن "الحرب في ظل مدينة النور"، كما يقول عنوانه الفرعي.
وفي البداية، يقدم المؤلف لمحة عن الوضع في لشبونة في السياق التاريخي الذي واكب نشوب الحرب العالمية الثانية. ويشير إلى أن أعدادا كبيرة من الأوروبيين توجهوا مع بداية الحرب نحو لشبونة، باعتبارها المدينة الأوروبية الوحيدة التي حافظت على حيادها، من بين الحلفاء والمحور.
وغدت المدينة، عبر تلك الصفة الحيادية، بمثابة محطة أو ممر أو مركز إقامة مؤقت، لعدد كبير من اللاجئين الذين قدموا إليها، لتكون منفاهم الذي يحميهم من مخاطر الحرب.
وكانت أعداد كبيرة من اللاجئين قد جاءت إلى المدينة للعبور انطلاقا منها، إلى الولايات المتحدة الأميركية. ويضاف إلى تلك الفئة، جمهور من الجواسيس وأفراد الشرطة السرية وأرباب الصناعة ومديري المصارف والبنوك والكتاب والفنانين، وكذلك للهاربين من معتقلات الحرب. وأيضا لأعداد كبيرة من اليهود الذين غادروا ألمانيا في ظل النظام النازي.
ويشرح المؤلف-المؤرخ، جملة احداث ومواقف بهذا الخصوص، بالاعتماد على مجموعة من العلاقات والمعارف في دوائر السلطة البرتغالية، وكذلك على مجموعة ضخمة من الوثائق التي كانت سريّة حتى الأمد القريب والتي كانت تعود إلى أجهزة الشرطة السرية البرتغالية.
ذلك بالإضافة إلى أجهزة الشرطة السرية البرتغالية، وإلى جانب أرشيف البنوك العائد لتلك الفترة، ووثائق أخرى لم يتم الكشف عنها قبل الآن،ويبين من خلال تلك المصادر كيف أن البرتغال عامة، ومدينة لشبونة خاصة، كانت تقوم بدور متميز عن باقي مناطق القارة القديمة، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
وحاولت البرتغال خلال تلك الفترة، وهي البلد الأوروبي الفقير نسبيا، أن تحافظ على حيادها رغم الضغوط الكبيرة التي مارستها عليها قوى الحلفاء، مثلما فعلت قوى المحور. وقد استطاعت أن تحافظ على بقائها بعيدا عن واقع الخراب الكبير الذي خلفته الحرب العالمية الثانية، بل استفادت من الثروات التي تجمّعت فيها. وظهرت عندها كأحد أمم أوروبا الغنية. وتجري الإشارة في هذا السياق، إلى أن جزءا من الذهب النازي وجد في لشبونة، ملجأ.
ويتم التركيز في هذا السياق، على الدور الذي لعبه القنصل البرتغالي في بوردو، المدعو ارستيد دو سوزا ميزيس، حيث كان في الخامسة والأربعين من عمره، وأبا لأربعة عشر ولدا وبنتا. وقد كان يشغل ذلك المنصب في عام 1940، عندما كانت جيوش هتلر تتقدم في الأراضي الفرنسية، وتحتل مناطقها واحدة بعد الأخرى.
وكان سالازار، سيد البرتغال آنذاك. واستطاع أن يحافظ على حياد بلاده لكن عواطفه كانت تميل نحو تأييد هتلر. وكان قد أصدر مرسوما يؤكد فيه على جميع القناصل البرتغاليين، بعدم منح تأشيرات دخول إلى البرتغال لفئات: الأجانب الذين لا تتوفر لديهم جنسية محددة، من يوجد إشكالات أو خلافات حول جنسيتهم، من لا يمتلكون جنسية ابارتايد-، اليهود المطرودون من بلدانهم الأصلية.
وكانت توجد، حينها، عشرات الآلاف من اللاجئين الهاربين أمام الزحف النازي، ويريدون الوصول إلى البرتغال أو الولايات المتحدة. وفي نهاية عام 1939 قام دو سوزا مينديس، بمخالفة أوامر سالازار، فمنح عددا محدودا من تأشيرات الدخول إلى البرتغال.
ثم قرر في شهر يونيو- 1940 منح تأشيرات لجميع الذين طلبوها. ويُنقل عنه قوله: "من الآن فصاعدا سأمنح تأشيرات للجميع، بعيدا عن الجنسية والعرق والمعتقد الديني". لكن لم يتأخر سالازار في عزله من منصبه، ثم حرمه من نصف راتبه، قبل أن يحيله إلى التقاعد.
وفي هذا الكتاب عن لشبونة، عاصمة البرتغال زمن الحرب العالمية الثانية، يقوم المؤرخ نيل لوشيري بنوع من التأريخ لتلك الحرب، عبر العودة إلى الأحداث التي شهدتها المدينة التي لم تشهد معارك حربية، ولكن الحلفاء والمحور خاضوا فيها حربا ضروسا بواسطة بواسطة الجواسيس والدعاية والضغط الدبلوماسي على سالازار، من أجل التخلي عن حياد بلاده. ويشير الى أن أجواء لشبونة، خلال تلك الفترة، تذكّر كثيرا بأجواء فيلم "كازابلانكا" الشهير، عن حياة الجاسوسية.
الكتاب: لشبونة الحرب في ظلال مدينة النور 1939 -1945
تأليف: نيل لوشيري
الناشر: بوبليك افيرز
نيويورك 2011
الصفحات: 384 صفحة
القطع: المتوسط
Lisbon
Neil Lochery
Public Affairs ذ New York- 2011
384 .p
