شاعت في الولايات المتحدة الأميركية، مقولة مفادها أن الحرب العالمية الثانية، كانت حربا جيّدة، فأميركا غدت بعدها، إحدى القوتين العظميين في العالم، إلى جانب الاتحاد السوفييتي السابق.

وإذا كانت هناك سلسلة طويلة من الكتب التي جعلت من تاريخ أوروبا الحديث موضوعاً لها، فإن أستاذ التاريخ في جامعة يال الأميركية، يكتب تاريخها من زاوية عمليات القتل الجماعي التي عرفتها، من قبل نظامين شهيرين، هما: النظام النازي الذي أقامه ادولف هتلر في ألمانيا، النظام الاستبدادي الذي أرسى جوزيف ستالين أسسه في الاتحاد السوفييتي السابق.

«بلاد الدم» استحقت أوروبا، القارّة القديمة، تسميتها هذه بجدارة، كما يقول مؤلف الكتاب. وذلك أن ستالين، حليف الأميركيين والحلفاء في الحرب العالمية الثانية، قتل الملايين من أبناء شعبه، قبل اندلاعها وفي أثنائها وبعدها. وأدولف هتلر كان قد قتل قبل هزيمته في الحرب العالمية الثانية، التي أشعل شرارتها الأولى، حوالي عشرة ملايين من اليهود، وغيرهم من الأوروبيين.

عندما انتهت الحرب العالمية الثانية بهزيمة هتلر وحلفائه، جرى فصل أوروبا بستار حديدي أخفى وراءه الكثير من الحقائق المتعلقة بقتل الملايين من المدنيين على يد النازية والستالينية. وكانت عمليات القتل والإبادة، بمثابة مظهرين لتاريخ واحد، رغم أن الفاعلين الأساسين كانوا على جبهتين، ولا حديث بينهما سوى بواسطة السلاح. ويرى المؤلف أن أوروبا الشرقية عرفت موجة متعاظمة من الاغتيالات السياسية، خلال سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي «العشرين».

إن السمة الأساسية لأوروبا الحديثة، خاصة في القرن العشرين الذي شهد حربين كونيتين انطلقت شرارتهما من هذه القارّة القديمة، يحددها المؤلف بحالة من عدم الاستقرار والتأرجح تحت أقدام طغاة، أقاموا سلطتهم على جماجم الآخرين. المثالان اللذان جسدا التعبير الأكثر بلاغة على ذلك، هما : جوزيف ستالين في الاتحاد السوفييتي السابق وأدولف هتلر، زعيم ألمانيا النازية. المهمّة الأولى التي حددها المؤلف لعمله في هذا الكتاب، هي محاولة تقديم نوع من الجرد النهائي لعمليات القتل التي ارتكبها النظامان النازي والستاليني.

ذلك بالاعتماد على مجموعة المعطيات المتوفرة، في مختلف الأبحاث السابقة، وكذلك على المعلومات التي وفّرها الأرشيف الروسي، الذي جرى فتحه بعد سقوط النظام الشيوعي، وهذا فضلا عن مجموعة من الشهادات الحيّة لروس وبولنديين وأوكرانيين، وغيرهم، ممن أرادوا كسر الصمت.

وتتمثل المهمّة الثانية التي حددها المؤلف لعمله، بقصر مجال اهتمامه بالنسبة لعمليات القتل الجماعي التي مارسها هتلر وستالين، على المدنيين بشتى انتماءاتهم وتنوعهم . ويحاول المؤلف، كمهمّة ثالثة، تصحيح عدة معلومات، هي شائعة ومقبولة في العالم الغربي على اساس أنها حقائق تاريخية. وما يؤكّده المؤلف، هو أن حوالي مليون شخص من الرجال والنساء، لقوا حتفهم في معتقلات ستالين. ولكن تسعة من أصل كل عشرة سجناء، عاشوا بعد مرورهم فيها لسنوات أحيانا. ويضيف، ان عمليات القتل الجماعي الكبرى التي مارسها ستالين، لم تكن في سيبيريا.

ولكن بالأحرى في الجمهوريات الغربية من الاتحاد السوفييتي السابق، وخاصّة في أوكرانيا، حيث بلغ عدد الضحايا خلال عقد الثلاثينات الفائت، ما لا يقل عن أربعة ملايين نسمة بفعل المجاعات المصطنعة، والمذابح التي تعرّض لها الفلاّحون. ويشرح المؤلف أن عددا كبيرا من الجنود السوفييت الذين، وقعوا في الأسر لدى النازيين، جرى وضعهم في عنابر ولم يتم تزويدهم إلاّ بكميات قليلة من الغذاء، بحيث انه تمّ تركهم عن سابق قصد وتصميم، للموت. ويتم التأكيد في هذا السياق، على أن نصف مليون من الجنود الأسرى السوفييت، لاقوا حتفهم في بولندا وحدها، عندما كانت تحت الاحتلال الألماني.

والفكرة الأساسية التي ينتهي إليها المؤلف، بعد أن كان قد ألحّ عليها على مدى تحليلاته، مفادها أنه ينبغي وضع الفظاعات التي جرى ارتكابها في «بلاد الدم»، في إطار تاريخي واحد. وذلك على أساس أنه لا فائدة من القول ان ستالين كان أسوأ من هتلر، أو العكس. إذ إن الاثنين أرادا فرض إرادتهما على أوروبا.

فكان ستالين يرى أن البناء السوفييتي محكوم عليه بالنجاح أو الفشل، من خلال أوكرانيا، باعتبارها المخزون الاستراتيجي الغذائي، وأيضا من حيث انها كانت عرضة للتأثير الخارجي. ويكشف المؤلف، عن أن الأقليّة البولندية في الاتحاد السوفييتي، كانت الضحيّة الأكبر للتصفية الستالينية الكبرى، خلال عامي 1937 و1938. وبالمقابل كان هتلر يرى في احتلال أوكرانيا والحصول على منتجاتها، رهانا حاسما بالنسبة لإمبراطوريته الجديدة.

 

 

الكتاب: بلاد الدم أوروبا بين هتلر وستالين

تأليف: تيموتي سنايدر

الناشر: فينتاج نيويورك 2011

الصفحات: 544 صفحة

القطع: المتوسط

 

Bloodlands

Timothy Snyder

Vintage

New York 2011

544 .p