يغطي كتاب" جماليات الانسان الارضي"، لمؤلفه الناقد فجر يعقوب، مختلف الحقب التاريخية والمراحل التطورية للسينما العالمية، على صعيد كافة أنواع الأفلام واشكالها. ويوضح المؤلف ان الفيلم الوثائقي، ليس مجرَّد إلقاء نظرة ثابتة على هذه الأراضي المجهولة، بحثاً عن شعوب مجهولة وتائهة وراء الحجب، ذلك إرضاء لفضول سياحي متعدد الفصول والوجوه، بل انه أصبح قصة عن الزمن نفسه.

وهكذا عرف الناس أفلام جورج ميلييه "قضية درايفوس" و"تتويج ادوارد السابع". وفي روسيا وفي أثناء حرب عام 1905 تبين دراسة السيناريوهات المكتوبة في تلك الفترة، من قبل مؤرخي السينما، أنَّها كتبت كما لو أنَّها قصص نظيفة وخالية من الشوائب، وتصلح لقراءة معالم تلك المرحلة العاصفة، حتى من دون أن تصوَّر.

ويشرح يعقوب ان الامر لم يتوقَّف هنا، فمن أجل الوصول إلى مطابقة مثلى مع الأفلام الروائية، استخدمت المدرستان الانجليزية والأميركية مجموعة مواد قصصية لم تكن بعيدة عن الوضعيات النفسية والاجتماعية التي يرغب بها المشاهد في رؤيتهـــا، وهو يدخـــل الصالــة المعتمة.

وثم ينتقل المؤلف الى تبيان حقيقة أنه من خلال أفلام السينمائي الكبير دزيغا فيرتوف، أخذت السينما الوثائقية أولى قطراتها في توليفة هذا الفن الخطر. ففتوحات فيرتوف خلال عشرينيات القرن الماضي، سرَّعت في تطوير عمليات (الأفانغارد) نحو المنهج التوثيقي، والذي أخذ يظهر في الكتل الصمَّاء. ولكن من خلال الإنسان وعبوره الحر الخلاق نحو علاقات اجتماعية لايمكن أن يقوم من دونها.

ويرى يعقـــوب هنا، انه تجيئ بعد المدرسة السوفيتية، نظيرتهــــا التوثيقية الانجليزية التي تفتَّحت في ثلاثينيات القرن الماضي. إذ تأثَّرت بإبداعات فيرتوف، ففيلم "قوارب الصيد" لجون غريرسون كان واقعاً تحت تأثير هذا المخرج وسطوته. كما أنه لا يمكننا تجاهل حقيقة مفادها أنَّ السينما العالمية لطالما نحتت من إبداعاته وتصوراته، كل جديد عن هذا العالم عبر العقود الماضية.

ويستنتج يعقوب، في قراءاته وتحليلاته، أنَّ السينما الانجليزية لم تستطع في بداياتها، أن تخلق مدرسة مشابهة للمدرسة الواقعية الشعرية الفرنسية وحسب، بل، ايضا، ظهرت لها علامات في الأمكنة الأولى في العالم، من خلال المنحى التوثيقي الذي خطت عليه، ورسمت من خلاله طريقها التعبيري كنماذج "ثيمات" منهجية في البحث، وكواقعية في الانعكاس والإلهام، ستغذي لعقود طويلة السينمات الوطنية والأجنبية.

وينتقل يغقوب الى تفسير قضية مهمة، مفادها ان أولى الخطوات الناجحة للمدرسة التوثيقية في انجلترا، تعود إلى العام 1929، عندما قررت الإدارة الإمبراطورية للتجارة، أن تستخدم السينما بوصفها دعاية لنشاطاتها . وتمَّ استحداث قسم خاص برئاسة والتر غرايتر وجون غريرسون. وكان مطروحاً على هذا القسم، أن يظهر نشاطات الإدارة الإمبراطورية بالوسائط السينمائية.

ومن بين الأفلام الوثائقية المهمَّة، يذكر المؤلف :"ثوار الموسيقى" -2007 للمخرج البولوني ميروسلاف دمبرسكي . وكذلك فيلم البولندية أديتا روبليسكا :"مواطنو بولندة المرفَّهون"- 2008، وفيلم"حديقة جاد" للفرنسي جورجي لازاروفسكي الذي يتحدث عن مأوى للعجزة في ضواحي القدس، يصل الجدار العازل إلى مدخله.

ويؤكد يعقوب، فيما يخص الفيلم الوثائقي العربي: (لوميير) - 1995، للمبدع الراحل يوسف شاهين ( من إنتاج فرنسي، وعن سيناريو لفيليب بولي)، يشكِّل صورة جيدة ومنبهة إلى واقع الفيلم الوثائقي العربي. ففي سلسلة من المشاهد التي صوَّرها شاهين في مدة 52 ثانية، يقوم الأخوان لوميير بمحاولة تصوير فيلم عند الأهرامات، حين يظهر شخص بملابس وملامح عربية، فيقوم بتحطيم الكاميرا، ليطالعنـــا بعد ذلك عنوان (رقابة معدة سلفاً).

ويتبعه عنوان (السينما خطيئة). ثمَّ يذكرالمؤلف الفيلم الوثائقي السوري "الحياة اليومية في قرية سورية"- 1974 للمخرج عمر أميرالاي، والذي يجده بمثابة أوَّل فيلم وثائقي سوري يستمر بفتح الرموز المغلقة التي تتشكَّل منها حيوات أهل قرية مويلح، وذلك أنَّ الأيدي التي تقوم بنتخيل الرمل، لايبدو أنَّها ستدخل في عراك مع ذراته.

ولا يفوت يعقوب أن يشير في هذه المطة، الى أنه هناك العديد من الأفــــلام التي ألصقــــت بها سمة:" الوثائقي"، وهي لم تكن في الحقيقة كذلك. فبعضها لم يتجاوز عتبـــة الريبورتـــاج التلفزيوني، وهو لـــم يعن بالكشـــف عن المتطلبات والاحتياجات الخاصة بالسينما الوثائقية، والتي تهتم كثيراً بالانخراط .

فيما يمكن تسميته (ثورة ثقافية عالمية تقوم بها الكاميرا الخفيفة)، وهذه اللغة التي نجحت بعض الأفلام الوثائقية العربية بتجاوز هشاشتها لم تترسخ بعد، ولم تتأكَّد. فالصورة ليست واضحة بالكامل، حيث هناك اللغة المراوغة الملتبسة، بالإضافـــة إلى البنية الريبورتاجية، مثل : فيلم"سلطــــة بلدي" للمخرجة المصرية ناديا كامل.

 

 

 

 

الكتاب: جماليات الإنسان الأرضي

تأليف: فجر يعقوب

الناشر: وزارة الثقافة- دمشق 2011

الصفحات: 135 صفحة

القطع: الكبير