حصلت مارين لوبن في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بدورتها الأولى، على ما يزيد على 18 بالمائة من أصوات الناخبين، أي حوالي 6 ملايين ناخب، وكانت بذلك في موقع "الرجل الثالث"، بعد فرانسوا هولاند المرشح الاشتراكي، ونيكولا ساركوزي مرشح حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني.
وأثار حصول مارين لوبن على نسبة عالية من الأصوات ضجة كبيرة في الأوساط السياسية الفرنسية والأوروبية، وذلك أنها ممثلة اليمين المتطرف الفرنسي ممثلاً في حزب "الجبهة الوطنية" الذي كان والدها جان ماري لوبن قد أسسه منذ عقود.
إن مارين لوبن تشكل موضوع الكتاب الذي تقدمه ماغالي بالينت، الباحثة في مركز العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس، وذلك تحديدا من زاوية السياسة الدولية لحزب الجبهة الوطنية، بين القطيعة والاستمرار. وعنوان الكتاب: "العالم كما تراه مارين"، وهو يعني بالتحديد، مارين لوبن.
تبدأ المؤلفة بطرح أسئلة من نوع: ماذا تعرف عن السياسة الخارجية للجبهة الوطنية؟ وما هو النهج الذي تؤيده مارين لوبن؟ وهي تحاول الإجابة عن هذين السؤالين، وغيرهما من الأسئلة المتعلقة بالسياسة الدولية لليمين المتطرف الفرنسي، من خلال ستة فصول تحمل، بالتتالي، عناوين:
"المصلحة الوطنية، بوصلة التحرّك الدولي"، "نعم لأوروبا ولا للاتحاد الأوروبي"، "العدو المعلوم"، "التحالفات الدولية الممكنة لحزب الجبهة الوطنية"، "مقتطفات أيديولوجية أو رؤية منسجمة للعالم الخارجي. ومن ثم أخيراً: "خطاب انتخابي واستراتيجي".
الإشارة الأولى التي تؤكد عليها المؤلفة، هي أن الأخصائيين في مجال السياسات الدولية، لم يولوا حتى الآن، اهتماما حقيقيا للنهج الدولي الذي يتبنّاه اليمين المتطرف الفرنسي، وليس أصلاً هذا هو مركز اهتمامه الحقيقي. وكذلك تتم الإشارة، الى أن هذا الحزب لم يتجاهل أبدا العالم الخارجي من حيث أنه يرى فيه خطرا على مستقبل فرنسا وعلى إشعاعها.
والمعروف أن أيديولوجية اليمين المتطرف، تقوم على فكرة "التفوّق الوطني". وأن لفرنسا مهمة كونية عليها أن تقوم بها. وخطاب مارين لوبن، زعيمة حزب الجبهة الوطنية، لا يشذّ عن هذه القاعدة. وهو يندرج في نهج التقاليد القومية الفرنسية، التي تجمع بين توجّهين متناقضين، يجد الأول جذوره في أفكار الثورة الفرنسية التي تؤكد حق الشعوب بتقرير مصيرها.
وبينما يجد الثاني في العنف ضد الأجانب، أحد مرتكزاته باسم الحفاظ على نقاء الهوة الوطنية. ولذلك تسود لدى أنصار اليمين المتطرف فكرة الحنين إلى المجتمع المغلق، ولكن المترافق مع التأكيد على حاجة الإشعاع في العالم. وهذا كله تحت غطاء شعار كبير، وهو الواقعية السياسية.
إن اليمين الفرنسي المتطرف يجد في أوروبا أمة انتماء ثانية، بعد الأمة الفرنسية. لكن الأمر مختلف في الموقف حيال الاتحاد الأوروبي. هكذا تفرّق مارين لوبن في خطابها بين نمطين لأوروبا (أوروبتين): أوروبا الأولى التي تدعو الى إشادتها وتعزيز أركانها، وهي تعرفها بـ"أوروبا الأمم والشعوب والحريات والهويات". وثانياً، أوروبا الأخرى التي تصب عليها جام حقدها، وهي أوروبا الشمولية التوتاليتارية- الجديدة، التي ترى أنها تقوم ضد الشعوب وضد السيادة الوطنية، لخدمة مصالح أسواق المال العالمية ومشاريع العولمة.
إن حزب الجبهة الوطني اليميني المتطرف يعرّف نفسه، بأنه أوروبي التوجّه بعمق، وبحيث يجمع مشروع توحيدها أمماً ذات حضارات متقاربة. وكان قد ناضل خلال فترة الحرب الباردة من أجل قيام أوروبا موحّدة، باعتبار ذلك بمثابة التحدي التاريخي الكبير أمام القارة. ولكن الصيغة التي قام بها الاتحاد الأوروبي، بدت لحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف بمثابة العدو الذي ينبغي القضاء عليه.
وذلك على أساس نقد مزدوج، فمن جهة يتم توجيه الاتهام للاتحاد الأوروبي، كونه لم ينفّذ مهمته الأولى المتمثلة في حماية الأمم الأوروبية، بل غدا بالمقابل، كما تنقل المؤلفة عن مارين لوبن بمثابة مشروع سياسي لأوروبا معولمة وبيرقراطية، من جهة أخرى.
الأمر الملحّ بالنسبة لمارين لوبن اليوم هو إعادة التفاوض حول الاتفاقات الأوروبية، التي تخرق السيادة الوطنية للأمم الأوروبية، لذلك تقول بالخروج من أوروبا الاتحادية، وتحديد المواضيع الاستراتيجية التي تنبغي أن تكون، برأيها، في صميم أوروبا الغد، والتأكيد على أن التعاون بين الدول الأوروبية، ينبغي أن يركّز على الميادين التي تنبغي تعبئة القوة الجماعية الأوروبية حولها.
والولايات المتحدة هل هي صديق أم عدو لليمين المتطرف الفرنسي؟
ما تؤكده المؤلفـة هو أن الولايات المتحدة انتقلت في ظل جان ماري لوبن، الأب، من موقع الموديل إلى موقع الموديل المضاد. وبالتوازي، الانتقال من التأييد الكامل والحماسي للحلف الأطلسي، ووصولاً إلى انتقاد الجنرال ديغول المناهض لأميركا، وقراره بإخراج بلاده من القيادة العسكرية للحلف الأطلسي إلى مناهضة أميركا والحلف الأطلسي.
الكتاب: العالم كما تراه مارين
تأليف: ماغالي بالينت
الناشر: ارمان كولان - باريس- 2012
الصفحات: 123صفحة
القطع: الصغير
Le monde selon Marine
Magali Balent
Armand Colin -
Paris- 2012
123 .p
