يرى كتاب "الصوت والصدى"، لمؤلفه رياض عصمت، أن القصة في سوريا تتشابه مع مثيلاتها في العالم العربي، بفعل تطابق ظروف الحياة وطبيعتها. ويقسم عصمت القصة في سوريا اليوم، إلى خمسة أجيال: محاولات بدائية ــ قبل الحرب الأولى، التأسيس الأوّل ــ في فترة ما بين الحربين، مرحلة ازدهار القصة القصيرة ــ بعد الحرب الثانية مرحلة التأثيرات الثقافية الأجنبية (بين 1950 ـ 1962 )، مرحلة التجديد وتطوير الاتجاهات المختلفة (بين 1963 ــ 1971 )، مرحلة أخيرة "مرحلة الشباب" التي تحمل ضغوط المجتمع الاستهلاكي ــ وهي تشكو من زيف الأخلاق وتتقنع بالرمز والاستعارة.

ويرى المؤلف أنه عالج كتّاب القصة القصيرة، ما رؤوه، ولهذا كانت القصة دائماً اجتماعية، لذلك نصل إلى مجموعة من المواضيع الرئيسية التي تحدّث عنها معظم الكتاب، وهي: أولاً، الظلم الاجتماعي، ومن أقطابها: سعيد حورانية، وليد اخلاصي، زكريا تامر، حيدر حيدر.

ثانياً، اتخذ الظلم الاجتماعي شكل القمع المباشر والاعتداء على الحريات.

ثالثاً، النضال التحريري وقضية فلسطين، إذ غاب النضج عن معظم القصص التي تهتم بهذا الموضوع، وأفضل ما كتب عن قضية فلسطين: "كفن حمود" للدكتور عبد السلام العجيلي.

رابعاً، قصص تصويرية تحمل ذكريات من نشوة الماضي، وقصص القدر والخرافة، وفيها اعتماد كبير على فلسفة الحظ والقدر، وأهم الكتاب الذين تركوا قصصاً من هذا الطراز: وليد إخلاصي، عبد السلام العجيلي، ألفة الأدلبي.

خامساً، قصص الرحلات، وأهم من كتب في هذا المجال: عبد السلام العجيلي، شكيب الجابري.

ويبين عصمت في بحثه، أن القصة شكل، ولكنه يحمل كل أعباء المضمون في الوقت ذاته، لافتاً إلى أنه ربما ينقسم نتاج عبد السلام العجيلي إلى فرعين رئيسيين: القصة القومية وقصص الرحلات والرسائل، وما يشوبها من أحداث الحبّ.

ولكن قصصاً أخرى فريدة تبرز إلى الوجود في أدبه بين الحين والآخر، وهي قصص البادية، حاملة نفحة أصيلة من أريج تراث وحشي خصب، مثل تلك التي نشرها في مجموعة "الخيل والنساء". كما أن أهم ما سجله سعيد حورانية، ضمن كتاب الواقعية الانتقادية في سوريا، هو: اللمسة الإنسانية والشاعرية في الأدب والاهتمام بالإنسان المسحوق طبقياً والمضطهد اجتماعياً، وذلك في مجموعاته الثلاث.

وينتقل المؤلف ليستعرض ظهور وماهية عطاء، عدد من المبدعين، ومنهم صميم الشريف، الذي يبين أنه ظهر في فترة ازدهار الواقعية، فحقّق نجاحاً لافتاً للنظر بقدرته على التقاط الصور، وهي صور دارمية مكثفة زمنياً، فجسد ذلك في جملة قصص، مثل:"عندما يجوع الأطفال". كما كتبت ألفة الأدلبي مجموعتين قصصيتين:

"وداعاً يا دمشق" و"يضحك الشيطان". وأما حسيب كيالي، فيوضح عصمت أنه يتميز بسحر أسلوبه الساخر، وقدرته على التقاط العادي من الواقع، ولكن شدّة التصاقه بهذا الواقع، تجعل قصصه، رغم تشويقها، تعاني من الفوتوغرافية، وهذا ما يجعل قراءة قصصه متعة فائقة، ومثال ذلك مجموعته "حلاق الحارة".

ويشرح المؤلف بخصوص قصص غادة السمان، ملامح سماتها، لافتاً إلى أنها تحمل إحساساً عاطفياً غنياً بالوطن والتراث. كما يطلعنا عصمت، على حقيقة أن زكريا تامر، تبنى نهج المعالجة الرشيقة الجاذبة في قصصه، لكن سخرية مرير. وأمّا بشأن قصص جورج سالم، فيؤكد عصمت أنها ترينا أن الإنسان محكوم بالعزلة.

وأنه ضحية تنشب فيها قوى القدر الغاشم وقوى الاضطهاد الاجتماعي، مخالبها بقسوة، وتتحد القوتان، لتعذيبه بحياة فارغة وبموت فجائي. كما تمثل قصص وليد اخلاصي، دورة العبث الكاملة، إنه يبدأ من واقعية صلبة، ولكنه ينتهي إلى فراغ، وكل القيم والمثل والمبادئ والعواطف، هي محض عبث، الهزيمة كامنة فينا، ولا فائدة، أمّا ما بدأ به إخلاصي، فهو مقاومة الإحساس باللاجدوى، عن طريق التحدي. ويستنتج المؤلف أن الحياة في أعمال إخلاصي، تمضي بتكرار سقيم، وتنتهي بموت مفاجئ.. ويرى مصير الإنسان كمصير ذبابة تافهة. وتتراوح أعماله بين الواقعية الشعرية والتعبيرية. إنه كاتب لامع الذهن، غريب الرؤى، حضاري الفن، جريء المعالجة، وصادق في التعامل مع واقعه.

ويشرح عصمت طبيعة مضمون قصص عادل أبو شنب، مبيناً أنها بمثابة عزف متكرّر على نغمة: الحرب والاضطهاد وفقدان الأصالة القديمة. وكذا الجهاد الوطني والعدالة. إنها تحمل إدانة عامة، غير محددة، طبقياً أو فكرياً، لمجمل الواقع العربي الخاضع للتخلف والأصفاد.

ويعرفنا المؤلف على أنه لدى هاني الراهب، في القصة القصيرة، عمل بعنوان: "المدينة الفاضلة"، وكذا يوجد قصص متفرقة ظهرت بعدها، تعتبر امتداداً لها. ويبين عصمت أن الراهب في تلك القصة، يجرد المدينة الفاضلة من وقارها وجمالها.

 

 

 

 

 

 

الكتاب: الصوت والصدى

تأليف: د.رياض عصمت

الناشر: وزارة الثقافة الهيئة العامّة للكتاب دمشق 2012

الصفحات: 248 صفحة

القطع: المتوسط