شن دونغ-هيوك، شاب كوري شمالي يبلغ من العمر اليوم 28 سنة. كان قد فرّ قبل عشر سنوات من أحد معسكرات الاعتقال في كوريا الشمالية. والصحافي الأميركي في الـ"واشنطن بوست" يقدّم حكاية هروبه من ذلك المعسكر، في كتاب تحت عنوان: "فار من المعسكر 14".

ومن خلال حكاية شن دونغ- هيوك، يقوم المؤلف بعملية توصيف لما يجري في كوريا الشمالية تحت ظل النظام القائم في البلاد منذ 60 سنة، عندما أسسه كيم ايل سونغ، ومارس فيه كل أشكال القمع ضد جميع من حاول الخروج عن طاعته.

كان شن قد رأى النور، مثل مئات الأطفال الكوريين الشماليين، في أحد معسكرات الاعتقال، حيث كان يقيم أبوه وأمه. وبعد أن أمضى ما يزيد على عشرين عاما في ذلك المعسكر، كان الشخص الوحيد الذي استطاع الفرار من ذلك العالم المغلق. ويحرص المؤلف على تقديم قصة "الهارب من المعسكر 14" في سياقها العائلي.

ولكن دون أن يهمل، بالتوازي مع ذلك، رسم وتصوير ماهية المسار السياسي للنظام القائم، في كل فترة من فترات إقامة شن في المعتقل. يعرّف المؤلف أسباب فرار شن من معتقله بجملة واحدة: "هرب لأنه كان جائعا". ويبين أنه جرى إيداع أهله في المعسكر 14 لسبب واحد، وهو أن بعض أقاربهم كانوا قد هربوا من كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية.

ولم يكن الطفل الصغير "شن"، يتردد في سرقة مخصصات والدته من الطعام، حتى مع معرفته أن الضرب المبرح سيكون عقابه. وعندما بلغ الرابعة عشرة من العمر في معسكر الاعتقال، سمع والدته وأخاه الأكبر يتحدثان عن مشروع هرب، فما كان منه إلا أن وشى بهما إلى إدارة المعسكر، وذلك مقابل حصوله على أكبر الحصص من وجبات الطعام اليومية. وبسبب وشايته.

وجد نفسه مع الجمهور العريض، لحضور عملية تنفيذ حكم الإعدام بأمه "شنقا"، وبأخيه الأكبر بـ"عدة طلقات نارية". وتجمّد الدم في عروقه، أمام هذا المشهد، لكنه لم يحصل على الجائزة المنتظرة، بل على العكس، عذب دون رحمة من قبل جلاديه، على أساس أنه كان يعرف معلومات أكثر يقوم بإخفائها. ومنذ ذلك الحين كان على شن أن يتعرّض للأشغال الشاقة، المطبقة في المعسكر.

وُلد شن في المعتقل ونال تربيته فيه على أساس أخلاقية محددة، تقوم حصراً على الوشاية بمن يشاركونه حياة الاعتقال. ومن هنا بالتحديد، يؤكد المؤلف ان استيقاظ ضمير الهارب من المعسكر 14، كان مؤلماً جداً. ويشير إلى أنه بعد 18 شهراً من هروبه، عبر الصين، كان السؤال الأكثر صعوبة بالنسبة إليه، هو عمّا إذا كان كائنا إنسانيا؟

وما يتم تأكيده أيضا، عبر قصة شن، أن معسكرات الاعتقال الضخمة موجودة في المناطق النائية من كوريا الشمالية. وكان شن قد أمضى طيلة سنوات وجوده في المعسكر، يمارس الأعمال الشاقة في المعسكر، دون أن يتقاضى أي أجر عن ذلك. وكانت الوشاية والسرقة ممارستين شائعتين لتأمل سبل العيش اليومية، بسبب التهديد المستمر بالمجاعة والضرب. ولم يكن طموح السجناء يذهب إلى أبعد من وجبات الطعام.

لكن الأمر الذي استجدّ على حياة شن في المعتقل، كان لقاءه مع سجين قديم من بقايا الحقبة البائدة، سافر (سابقا) إلى البلدان الأجنبية. وذلك اللقاء دفعه إلى التفكير بالعالم الموجود خارج أسوار المعتقل وأسلاكه الكهربائية، بل والعالم الموجود أبعد من كوريا الشمالية.

ويروي شن في قصة مفصلة، أنه تقاضى بعد وصوله إلى الصين، أول أجر على العمل الذي كان يقوم به. ولكن في الصين أيضاً، واجه أكبر خطر بعد هروبه من المعتقل، وهو إمكانية قيام السلطات الصينية بتسليمه إلى كوريا الشمالية.

وعند وصول شن إلى كوريا الجنوبية وجد الكثير من التسهيلات التي تقدمها السلطات إلى اللاجئين من كوريا الشمالية. ولكن الأمر على المستوى الشعبي، لم يكن نفسه، وذلك أن الكوريين الجنوبيين يميلون نحو اعتبار جيرانهم الشماليين، بمثابة حالات تثير إشكالات. هكذا هام شن لفترة دون هدف، قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة، حيث واجه صعوبة كبيرة في إيجاد وضع مستقر.

ومن اللحظات القاسية التي يتوقف عندها مؤلف الكتاب، تلك التي صعقت فيها الأسلاك المكهربة رفيق معتقله الذي أراد مشاركته مغامرة الهرب المشترك. وكان هو نفسه قد نجا من الموت بأعجوبة. ومنذ تلك اللحظة، كان عليه أن يتدبّر أمره وحيداً، ويجتاز الصين التي يجهل عنها كل شيء، من دون أن تعيده شرطتها، إلى حيث كان.

وإلى جانب الشهادة التي يقدمها شن دونغ-هيوك، يقدّم المؤلف حصيلة التحقيقات التي قام بها حول كوريا الشمالية، وسكانها الذين يحصلون على الحد الأدنى من سبل العيش بواسطة المساعدات الإنسانية القادمة من الخارج.

نجح شن في الهروب من كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية، عبر الصين، ثم استقر في الولايات المتحدة الأميركية. لكنه لا يتردد في القول ان الإحساس بالذنب لا يزال يلاحقه. ويضيف: "نجوت بدنياً، ولكنني لم أستطع النجاة نفسياً". وما يؤكده المؤلف في خاتمة كتابه، أنه لا يزال هناك ما بين 150000 و200000 شخص، يعيشون في معسكرات الاعتقال ضمن كوريا الشمالية.

 

الكتاب: فارّ من المعسكر 14

تأليف: بلين هاردن

الناشر: فايكنغ- لندن- 2012

الصفحات: 230 صفحة

القطع: المتوسط

 

Escape from camp 14

Blaine Harden

Viking- London - 2012

230 .p