يبين كتاب "العقل الإسلامي بين قرطبة وأصفهان"، لمؤلفه محمد المصباحي، مضمون الفروقات والاختلافات الفكرية بين الفيلسوفين :ابن رشد وصدر الدين الشيرازي. ويوضح المصباحي انه جاء فكر الأول على شكل تفسير، بينما تجسد فكر الثاني على شكل تأويل، وبالتالي، فإنه على الرغم من الاختلاف الاستراتيجي بين الرجلين، إلا أنهما ظلاّ يشتركان في اللغة الفلسفية ذات القاعدة الأرسطية، وخاصة فيما يتصل بنظرية العقل.

وينطلق المصباحي من اعتبار أن نظرية العقل في تاريخ الفلسفة الإسلامية، بمختلف تلاوينها، كانت تدور في فلك النموذج الأرسطي، الذي يتكون من عدة تقسيمات للعقل، ومن جملة مسائل تدور على إشكاليات تختص بصلة العقل بالنفس، وبعلاقته بالعالم. وكان يجري فيهما طرح مسألة حقيقة الذات البشرية، ومسألة وطبيعة المعرفة العلمية، وما يرتبط بها من اتصال ميتافيزيقي بالملأ الأعلى.

ويظهر أن الاختلاف بين عدد العقول عند كل من ابن رشد والشيرازي، راجع إلى تمييز الشيرازي ما بين العقل بالملكة والعقل بالفعل، واعتبارهما مكونين منفصلتين، في حين أن ابن رشد يوحد بينهما، إضافة إلى أن الشيرازي، أضاف عقلاً سادساً إلى بنائه العقلي أسوة بابن سينا هو العقل القدسي.

ويشير المصباحي الى انه لا يقتصر اللقاء بين الفيلسوفين على نظرية العقل، بل يمتدّ ليطاول الطابع الوجودي لفلسفتيهما، وانتقادهما المشترك لابن سينا، واهتمامهما معاً بالعقل الهيولاني، ولغتهما المشائية المشتركة. إلا أن المؤلف يعتبر أن فحص مضامين نقاط الالتقاء، يظهر أنها تختلف بين الرجلين. فاللغة الفلسفية مثلاً، وإن كانت تبدو مشتركة بينهما في مختلف مجالات الفلسفة الطبيعية والعقلية وما بعد الطبيعية، إلا أن المفاهيم التي يستعملها الشيرازي لا تملك الدلالة نفسها، التي كان يستعملها ابن رشد؛ ويساق الأمر نفسه بالنسبة لانتقادهما المشترك للشيخ الرئيس، ابن سينا.

ويطلعنا المصباحي على حقيقة اختلاف كل من ابن رشد والشيرازي في النظر إلى مسألة "وحدة الوجود بالماهية"، حيث كانت الوحدة عند ابن رشد مشروطة بعطالة الوجود وامتلاء الماهية، على العكس من الشيرازي الذي ملأ الوجود بالمعنى وأفرغ الماهية منها. ولم يمنع ذلك اشتراكهما في النظرة الدلالية التشكيكية إلى الوجود.

حيث مال ابن رشد بالدلالة التشكيكية نحو جانبها الكلي، بينما جنح الشيرازي بها نحو طابعها المشخص والعيني، فكان التشكيك عنده إطار تشكيك يتفاوت في الاشتداد والضعف، ولا شكل تشكيك تقديم وتأخير، وهو التشكيك الذي يقتضي وجود علة داخلية للمقولات والأغراض هي الجوهر. وتمسك ابن رشد بالمساوقة بين الوجود والواحد، وبالفصل بين الوجود المحايث وهو "الوجود بما هو موجود"، والوجود المتعالي، فيما تمسك الشيرازي بجرعة قوية من وحدة الوجود

 

 

 

الكتاب: العقل الإسلامي بين قرطبة واصفهان

المؤلف: محمد المصباحي

الناشر: دار الطليعة، بيروت - 2012

الصفحات: 143 صفحة

القطع: الكبير