يتفق المراقبون والاستراتيجيون، على القول ان تفجيرات 11 سبتمبر، في نيويورك وواشنطن، شكّلت منعطفاً حقيقياً فيما يتعلق بمسألة الأمن الأميركي ومكانتها لدى مختلف الإدارات المتعاقبة. والصحافيان الأميركيان وان بريست ووليام م. أركين، يبحثان في كتابهما المشترك الذي يحمل عنوان "أميركا: سري للغاية"، مفهوم الأمن لدى ما يسميانه "الدولة الأمنية الأميركية الجديدة".
ونقطة الانطلاق في التحليلات المقدّمة لواقع الأمن في الولايات المتحدة، هي بالتحديد تفجيرات 11 سبتمبر 2001. وعلى سؤال: ما الذي حدث مباشرة بعد 11 سبتمبر 2001؟ وجاء في الإجابة، ان الأمر الأول تمثّل في الهلع، بكل ما يمكن أن تعني هذه الكلمة. والإشارة إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، حامت شكوكهما مباشرة حول القاعدة.
وأما الكونغرس، فقد كان في حالة اندهاش تام، والبيت الأبيض قرر مباشرة، إجراء تقليص كبير في عدد أولئك الذين يحق لهم الاطلاع على المعلومات "السرية للغاية"، حول مصادر التهديد. وباختصار يتم التأكيد على أن الجميع كانوا في حالة ذهول. وعلى المستوى العام، ساد لدى الأميركيين، ما مفاده أن هناك خلايا نائمة، وأن أعمال عنف أخرى ستحصل.
وعلى مستوى ردود الأفعال التالية مباشرة لتفجيرات 11 سبتمبر، جرى تخصيص مبالغ مالية هائلة، ومن دون حساب، لملف الأمن القومي الأميركي. وهكذا منح الرئيس جورج وولكر بوش، مبلغ مليار دولار لوكالة الاستخبارات المركزية، منذ البداية.
وعلى أساس أن ذلك الجهاز كان أكثر قدرة للبحث عن الجناة من الجيش الأميركي نفسه. وكذلك طلب البيت الأبيض من الجيش، تقديم كل ما يمكنه من أجل دعم النشاطات للوكالة الاستخباراتية المركزية.
والدعم نفسه وجده أيضاً مجلس الأمن القومي الأميركي، والذي تلقى كميات كبيرة من المال. وكانت الأجهزة التابعة لهذه الوكالة الأمنية تهتم، قبل 11 سبتمبر 2001، بمعرفة كل نشاطات وحركات رؤساء الدول في العالم. ولكن بعد ذلك التاريخ، أصبحت مهمتها أوسع وأشمل، بحيث وصلت إلى مناطق وفئات من البشر لم تكن من اختصاصها سابقاً، أي بما هو أدنى بكثير من أصحاب القرار. والنتيجة هي أن عالم الاستخبارات، أصبح يحظى لدى مختلف الإدارات الأميركية، باهتمام أكثر فأكثر، لدى أصحاب القرار السياسي. وتوازى ذلك مع تغيّر كبير في طبيعة الحروب، التي غدت حروب استخبارات ومعلومات، أكثر من ما هي حروب دبابات وطائرات.
يشير المؤلفان بأشكال مختلفة، إلى أن الأميركيين يميلون منذ البداية، نحو ثقافة السر، الأمر الذي يعود إلى احتمال وجود تهديد غير معروف المصدر، كما أن العدد لم يكن معروفاً. ومن هنا كان لا بد من تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات الممكنة. وكان المسؤولون في وزارة الدفاع البنتاغون، يتحدثون بسهولة عن نشاطاتهم وعملياتهم، وعن نشاطات الحكومة الأمنية.
ولكن الأمر تغيّر تماماً في العقد الأخير من الزمن. وقد أصدر دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الأسبق، لدى جورج وولكر بوش، توجيهات وتعليمات واضحة، مع قوله: "هذه ليست للتداول مع الآخرين". وبالطبع لم يكن يتم تداولها مع الصحافيين والعموم.
وكانت ثقافة السر تتعاظم إذن. وتتم الإشارة إلى انه في بتاريخ 17 سبتمبر 2001، أي بعد ستة أيام فقط من تفجيرات نيويورك وواشنطن، وقّع الرئيس الأميركي السابق جورج وولكر بوش، توجيهاً رئاسياً، يطلبه الكونغرس قانونياً من السلطة التنفيذية، لتنفيذ مهمات سرية تقوم بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وهكذا بدأ تنفيذ أكبر برنامج عمل سري، منذ أوج فترة الحرب الباردة.
وتتم الإشارة أيضاً إلى أن الوكالة المعنية كانت تمتلك قبل 11 سبتمبر 2001، قوة صغيرة شبه عسكرية، تابعة لقسم النشاطات الخاصة. ولكن بعد ذلك التاريخ، أصبحت الوكالة نفسها منظمة شبه عسكرية، مع تزويدها بإمكانات مالية ضخمة، تحت عنوان: "مكافحة الإرهاب". وأصبحت القاعدة السائدة هي: "ليس هناك من يعرف ماذا يجري بالضبط". وهذا باستثناء قلة قليلة من أصحاب القرار، ومن قادة الأجهزة السرية.
وأسئلة كثيرة يتم طرحها حول مصير السجناء ممن تعتبرهم الولايات المتحدة قريبين، بصورة أو بأخرى، من عالم الإرهاب، فماذا يفعلون معهم؟ وإذا لم يكن هؤلاء السجناء في منشآت عسكرية، أين هم؟ وهل يتولى الجيش أمرهم؟ أم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية؟ وكيف تجري عمليات التحقيق؟ الإجابات على هذه الأسئلة كلها وغيرها تبقى في إطار ما هو "سرّي للغاية".
الكتاب: أميركا: سري للغاية
تأليف: دانا بريست، وليام م. أركين
الناشر: ليتل براون وشركاؤه- نيويورك - 2011
الصفحات: 320 صفحة
القطع: المتوسط
Top secret America
Dana Priest, William M. Arkin
Little Brown and Company- New York- 2011
320 .p
