«في زحمة الأحداث العالمية». عنوان الكتاب الصادر، أخيراً، لوزير خارجية فرنسا الأسبق هوبير فدرين. وهو يتعرض فيه لما يعتبره من الأحداث والتحديات الكبرى، خلال فترة السنوات: بين عامي 2009-2012.

يتعرّض فدرين في هذا الكتاب، بداية، لـموضوع «فرنسا وسياستها الخارجية»، حيث يعود إلى عام 1981 عندما فاز فرانسوا ميتران بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، ليكون آنذاك، أول رئيس اشتراكي ويساري يصل إلى السلطة، منذ أن أسس الجنرال شارل ديغول الجمهورية الفرنسية الخامسة عام 1958.

إنه يعود إلى عام 1981 ليدرس كيف غدت السياسة الفرنسية الخارجية بعد 30 عاماً، أي في الفترة الراهنة. ويحدد في هذا الإطار، تحديات العقود الثلاثة السابقة، وعلى ضوئها، تحديات الرئيس الفرنسي الذي سيقود البلاد، خلال السنوات الخمس المقبلة.

ويكرّس المؤلف فصول الكتاب في هذا السياق، بالتتالي لمحاور : إفريقيا في التنافس الدولي المتعدد الأقطاب، الولايات المتحدة الأميركية برئاسة اوباما في مواجهة تعددية الأقطاب الدولية، روسيا بعد عقد من انهيار الاتحاد السوفييتي، 11 سبتمبر 2001، الشرق الأوسط: متى ستقوم الدولة الفلسطينية؟، حوض البحر المتوسط واضطرابات العالم العربي، "ليبيا: عدم الخلط بين مسؤولية الحماية مع حق التدخل بالمفهوم القديم. ويحمل الفصل الأخير من الكتاب، عنوان: «أوروبا في قلب الإعصار».

إن المؤلف يرفض بداية مقولة "نهاية التاريخ"، التي سادت بعد انهيار جدار برلين، ومعه المعسكر الاشتراكي ورأسه، أي الاتحاد السوفييتي. ويحدد القول ان أطرافا كثيرة ومتعددة لها كلمتها في مختلف أشكال النزاعات اليوم، وليس أقلها الدول والسلطات الاقتصادية والمالية والمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام ومنظمات المافيا والإرهابيين. وهذه الأطراف كلها هي التي يقصدها هوبير فدرين عند حديثه عن "زحمة الأحداث العالمية" في عنوان الكتاب.

القوة الوحيدة التي يبدو أنها هي التي تحكم وتتحكم في عالم اليوم هي الأسواق المالية، كما يرى المؤلف. وهي تمارس قدراً كبيراً من البربرية. أما الدول الصاعدة، وفي مقدمتها الصين والهند والبرازيل وتركيا وغيرها، فإنها تواجه المستقبل بقدر كبير من الثقة، بينما تسيطر حالة من القلق على الغرب ومختلف بلدانه، وخاصة في القارة الأوروبية، القديمة. هذا في ظل عجز كبير يبديه الغرب فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، وبخلق فرص العمل لمكافحة ظاهرة البطالة المستشرية.

وبعد أن يشير المؤلف إلى عدة أشكال من الفشل عرفتها فرنسا خلال السنوات الخمس الأخيرة، يؤكد أنه كانت هناك بالمقابل، بعض النجاحات، مثل: قمة العشرين، الوصول إلى القرار 1973 «حول التدخل العسكري في ليبيا». ويجري التأكيد أيضا في السياق نفسه، على أنه ينبغي على فرنسا تصحيح مسارها من أجل مواجهة تحديات الزمن الحاضر. وفي مقدمة تلك التحديات: معالجة مشكلة العملة الأوروبية الموحّدة اليورو، مستقبل العالم العربي، دور «الحلف الأطلسي»، صعود الصين والدول الصاعدة الأخرى. وهذه المسائل كلها ينبغي على فرنسا أولًا، وعلى مختلف القوى الكبرى في العالم، وضعها على قائمة اهتمامها، وذلك أن مصير العالم مرتبط بها إلى حد كبير، كما يؤكد هوبير فدرين.

وهذا يغدو ضرورة أكبر أمام عملية عادة توزيع الأوراق والأدوار الهائلة في العالم، والتي تؤدي إلى إعادة النظر في مسائل القوة والنفوذ. ويرى المؤلف أن الأوروبيين لم يعودوا يعرفون تماماً ما يريدون. وأما الولايات المتحدة، فإنها تواجه تحديات كبيرة، ولكنها لا تزال تؤمن بقوتها، وأنها قادرة على الاحتفاظ بزعامة العالم، وهذا حتى في حال تجاوز الصين لها، على صعيد مختلف الإحصائيات.

بهذا المعنى ينبغي على الأوروبيين أولًا، أن يعيدوا بناء قوتهم. وبناء على رسم لوحة متشائمة للحالة القائمة في المعسكر الغربي عامة، يرى فيدرين أن هناك حاجة ملحة للبلدان المعنية، لإعداد خطة استراتيجية شاملة، وعلى المدى الطويل، لتصحيح المسار، وبحيث تستعيد السياسة الخارجية الغربية قوتها، وتغدو الدبلوماسية هي المفتاح، وليس حقلاً مستقلاً.

 

 

الكتاب: في زحمة الأحداث الدولية 2009-2012

تأليف: هوبير فدرين

الناشر: فايار - باريس- 2012

الصفحات: 528 صفحة

القطع: المتوسط

 

Dans la mêlée mondiale 2009-2012

Hubert Vedrine

Fayard - Paris- 2012

528.p