مقولة "الحرب على الفقر" ليست جديدة على العالم الذي نعيش فيه، بل وكان أصحاب القرار في البلدان المتقدمة والغنية، قد قرروا أن تكون الألفية الجديدة ممهورة بالحرب من أجل القضاء على الفقر، ولكن الوقائع تقول باستمرار شيئا آخر.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، كان الرئيس الأسبق لندون جونسون، قد أعلن في عام 1964: "الحرب على الفقر"، وهذا هو بالتحديد الذي اختارته الباحثتان انليز اورليك وليزا غابل هازيرجيان، لكتابهما، الذي تبحثان فيه مراحل هذه الحرب الطويلة، كما عرفتها عدة مناطق أميركية، ودور الحركات الاجتماعية فيها.

وهذا مع التركيز على حركة المطالبة بالحقوق المدنية، التي قام بها السود الأميركيون، أو الأميركيون ذوو الأصول الإفريقية، كما شاعت تسميتهم. ولكن المواقف العديدة السلبية ضد الحرب على الفقر، لم تمنع مؤلفتي الكتاب، من تأكيد أن الحصيلة العامة لها، منذ سنوات الستينيات حتى اليوم، فيها العديد من النقاط الإيجابية، وأن البرامج التي تم تبنّيها، كانت ناجحة من أوجه عديدة.

وذلك أنها ساهمت في تقليص معدّل الفقر في مناطق مختلفة، وفي نسج نوع من الحماية الاجتماعية الحقيقية التي تظهر آثارها بوضوح في المرحلة الراهنة. ويضاف إلى هذا، واقع أن الحرب على الفقر، كانت وراء تعبئة الفقراء في الولايات المتحدة، من أجل الدفاع عن حقوقهم.

وتتم دراسة الآثار الإيجابية للحرب على الفقر، من خلال ظهور تلك الآثار في تحرّك السود، انطلاقا من الأحياء الفقيرة التي يقطنونها في المدن، وليس مالكولم اكس سوى أحد رموز تلك الحركة، وكذلك فعل البيض من الذين يعيشون في أرياف ابالانش واوكلاهوما وغيرهما، وظهرت آثار "الحرب على الفقر" لدى العمال الزراعيين الذين قدموا إلى الولايات المتحدة من المكسيك. وأصبحوا يشكلون مجموعة كبيرة بين قاطني الأرض الأميركية. والأمر نفسه بالنسبة للمهاجرين من أصل صيني، في المنطقة الممتدة من نيويورك إلى كاليفورنيا.

الآثار الإيجابية لمحاربة الفقر، قامت كلها على أساس برامج اجتماعية مستوحاة من رؤية جونسون، التي كان قد حدد هدفها الأساسي بجعل المجتمع "أكثر عدالة". لكن، رغم التأكيد على العديد من الآثار الإيجابية لخطط محاربة الفقر في أميركا، فإنه لا يتم إهمال عدد من نقاط الضعف التي ليس أقلها النقص الكبير في الإمكانات المادية، حيث ان الميزانيات المالية لم تكن كافية أبدا، كما أن النخب السياسية المحلية لم تتعاون مع البرامج، مثل ما ينبغي، وبقيت مرتبطة بمصالحها السياسية الانتخابية.

ومن نقاط الضعف الأساسية التي يتم التأكيد عليها التعامي عن واقع أن الأمهات والأطفال من الذين لا يعيشون في إطار عائلي سليم، يشكلون النسبة الأكبر من الفقراء، في الولايات المتحدة الأميركية.

ورغم النجاحات التي حققتها برامج محاربة الفقر، تبقى نسبة الفقراء في ازدياد على مستوى عموم الولايات المتحدة، إذ تدل الإحصاءات المقدمة، على أن نسبة الفقراء في المجتمع الأميركي، تبلغ نحو 15 في المئة من مجموع السكان. وإذا كانت سنوات الرئيس اوباما قد عرفت ظاهرة زيادة الفقراء نفسها، فإن الأمر يعود، كما تقول التحليلات المقدمة، الى الإرث الثقيل الذي ورثته إدارته من الفترة السابقة لها.

إن مؤلفتي الكتاب، تعودان للتأريخ لمحاربة الفقر، في أميركا، منذ أن أعلن عنها الرئيس الأميركي لندون جونسون في خطابه، عن حالة الاتحاد، في مطلع العام 1964. وحدد فيه القول بضرورة التغلّب على الفقر، عبر تبنّي سياسة قومية أميركية، تقوم على مجموعة من التشريعات التي تؤمّن مساهمة نحو 20 في المئة من الأميركيين، في تمويل الميزانيات المترتبة عليها،. ذلك أنه لم يكن من المقبول أن يستمر الفقر في إطار أميركا المزدهرة جدا. وبالتالي أن تبقى أعداد كبيرة، على هامش ما عُرف بطريقة الحياة الأميركية.

وكانت خطة "محاربة الفقر" تقوم على أساس مشروع سياسي طموح، ورأى الخبراء الاجتماعيون، أنه غدا من الضروري أن يندرج أولئك الذين كانوا يعيشون على محيط العقد الاجتماعي، بعد الحرب العالمية الثانية، في إطار الطبقات الوسطى، والمقصود بذلك الفقراء، خاصة منهم، الذين يمارسون مهنة ما.

وبعد الإشارة إلى أن مشاريع "محاربة الفقر" بأميركا، حققت نجاحات وإخفاقات، تصل المؤلفتان إلى القول إنه في هذا القرن، الحادي والعشرين، عندما يكون هناك عدد هام من الأميركيين يتلقون مساعدات غذائية، وعندما تستقبل مراكز الصحة العامة العدد الأكبر من المرضى في أميركا، تغدو الحرب ضد الفقر، ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى.

 

 

 

 

 

 

الكتاب: الحرب على الفقر

تأليف: انليز اورليك ليزاغ اي هازيرجيان

الناشر: جامعة جورجيا 2011

الصفحات: 503 صفحات

القطع: المتوسط

 

 

 

The war on poverty

Annelise Orleck, Lisa Gayle Hazirjian

University of Georgia Press- 2011

503 .p