يتناول كتاب "يوتوبيا المدينة المثقفة"، لمؤلفته الناقدة خالدة سعيد، تجربة وانجازات خمس مؤسسات ثقافية طليعية، نهض بها مبدعون من لبنان، وهي: "الندوة اللبنانية "، "التجمع الفيروزي الرحباني"، مجلتا "شعر" و"مواقف"، "دار الفن والأدب". كما يشتمل الكتاب في فصله السادس، تحت عنوان "أضواء"، على شهادات في المطران جورج خضر وأنسي الحاج ومحمود درويش وغسان كنفاني وأورخان ميسر وعلي الناصر وجبرا ابراهيم جبرا وسعاد النجار وسعد الله ونوس .
وتعنى خالدة سعيد، بالالتزام برؤية رصد دقيق لتجارب ثقافية، أثارت جدلا واسعا، وشرعت النقاش على منافذ لم تكن ثقافتنا العربية على عهد بها من قبل. وتشير المؤلفة، في مقدمة كتابها، الى أن المؤسسات التي تناولتها في قراءتها النقدية، تشكلت بمبادرات فردية، آمن روادها بسعيهم، فانطلقوا متجاوزين القيود التي رفلت بها المجتمعات العربية، راسمين عوالم ثقافية ضد منطق النزاع، وبعيدا عن ساحاته. وهذه النهضة الثقافية الجديدة، هي امتداد لنهضة سابقة برزت معالمها في لبنان القرن التاسع عشر.
حيث كان من روادها مارون نقاش مؤسس المسرح العربي. وأيضا: المعلم بطرس البستاني وجبران خليل جبران وأمين الريحاني والشيخ عبد الله العلايلي. وتناولت المؤلفة في الفصل الاول، محورا حيويا، وفق آليات وأسلوب مناقشة، اتصفا بالحنين الغامر. وهو: "الندوة اللبنانية "، بوصفها حاضرة ثقافية وفكرية أطلقها مؤسسها ميشال أسمر، في عام 1946.
وتبين المؤلفة انه أولت "الندوة اللبنانية "اهتماما خاصا لانظمة الدولة، وبالتيارات الفكرية والحركات والاحزاب السياسية، وذلك على اختلاف اتجاهاتها. وبرز في الندوات والمحاضرات والمناقشات التي كانت تدار في أروقتها، اهتمام خاص بحوار الأديان، اضافة الى رصدها وتتبعها للحركات القومية والادبية والفنية، وكذا سائر الشؤون الثقافية. ومن الاشخاص الذين وقفوا على منبر "الندوة" ، تذكر الباحثة الزعماء : كمال جنبلاط، وحبيب أبي شهلا، حميد فرنجية، بيار الجميل، ادوار حنين، سهيل ادريس، يوسف الخال، ميشال شيحا، قسطنطين زريق، ليلى بعلبكي، الأب يواكيم مبارك. وغيرهم الكثير.
وتسهب الكاتبة في الفصل الثاني، بعنوان: "القرية الفاضلة :المشروع الرحباني الفيروزي"، في الحديث عن النهضة الغنائية التي حققتها الاسرة الرحبانية، ممثلة بالثلاثي: فيروز وعاصي ومنصور.وترى في هذا الشأن ان تعاون الرحابنة، كان في ظروف تاريخية شهدت عدة تحولات سياسية وثقافية، وهو ما أرخى بظلاله على حاضر ترتسم معالمه اغترابا عن عالم غارق في طوباويته.
كما تفرد المؤلفة، الفصل الثالث من كتابها، للبحث في المكونات الاولى لمجلة "شعر"، بدءا من مؤسسها يوسف الخال، ووصولاً الى الشعراء والكتاب الذين تكوكبوا حولها، فتعددت مساهماتهم وراوحت بين النصوص الابداعية والترجمات والمحاولات النقدية. فكان الرصيد الاساسي للمجلة- طبقا لما تذكره، التزام الشعراء والكتاب وايمانهم بقضية الشعر، وتحرر الشعر بوصفه تحررا للانسان والفكر الانساني ". وجاء البحث الخاص، حول مجلة "شعر"، في الكتاب، بشكل هو أقرب الى الشهادة منه الى الدراسة المنهجية.
وألحقت سعيد في خاتمة الكتاب، ببولوغرافيا بالأسماء التي شاركت في المجلة، وأيضا بشأن الموضوعات التي طرحت وبحثت، وفهارس بأعداد المجلة .
كما ان المؤلفة، ترى في الفصل الرابع من كتابها، والذي تناولت فيه بالدراسة، مجلة "مواقف"، أن هذه الاخيرة، هي الى حد كبير سليلة مجلة "شعر"، وجهدت لرسم صورة للمثقف النقدي المثالي، القادر على النهوض بمهمات التحليل والدعوة الى التغيير، ورفض العالم الآسن، واستشراف عالم من الحرية والابداع، على حد تعبيرها . وهي تؤكد، في هذا الخصوص، انه، ومن هذه المسلمات، انطلق مؤسسها، الشاعر أدونيس، متحديا الحصار السياسي والقرارات الرسمية التي حظرت دخول المجلة الى بلدان عربية عديدة .
وتؤكد خالدة سعيد الدور الريادي الذي لعبته المجلة. فشهدت ولادة جيل شعري جديد، مثّل الحداثة الثانية، وشكلت أعدادها:" سجلاً لأهم التمردات والقضايا الحضارية والاجتماعية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين ".
والحالة الثقافية الخامسة التي تناولتها الباحثة في كتابها، هي "دار الفن الادب"، موضحة انه عملت مؤسستها جانين ربيز على تحويلها ساحة لقاء للفنون والافكار من لبنان والعالم .
الكتاب: يوتوبيا المدينة المثقفة
تأليف: خالدة سعيد
الناشر: دار الساقي بيروت 2012
الصفحات: 326 صفحة
القطع: الكبير
