يستهل كتاب، "ثورة مصر..الزمن ..الجغرافيا..المواقف"، لمؤلفه عبد الحميد بسيوني، أبحاثه، بابيات للشاعر كامل الشناوي، يدرجها المؤلف في الفصل الاول، وهي: "على باب مصر، تدق الأكف، يعلو الضجيج، رياح تثور، جبال تثور، بحار تهيج".

ونجد المؤلف يذكر هذه الابيات، في معرض رده حول سؤاله الاستفهامي الذي يطرحه في مقدمة البحث بعنوان "مبارك.. ماذا فعلت بأرض الكنانة؟"، ثم يتطرّق إلى الحديث عن الأحوال الاقتصادية والثقافية والسياسية لمصر، في عهد النظام المصري السابق، بما فيها قضية الوحدة العربية في ظل عالم عربي يعاني الصراع ومحاولات التقسيم في لبنان والسودان، وفي المغرب العربي- بين الجزائر والمغرب "البوليساريو".

وايضا : في الصومال، في فلسطين بين فتح وحماس، وفي العراق بين الشيعة والسنة. ويشير هنا، إلى ان ذلك ياتي في وقت تتجه محاولات التقسيم فيه، نحو السعودية ومصر وسوريا.

وفي هذا السياق، يعرض المؤلف تراثًا من الثورات، ضمن فصل عنونه بـ "مصر والثورات"، ذكر فيه ثورات منذ فجر التاريخ، منها تلك التي اندلعت عام 2200 قبل الميلاد ضد الحكام، تمردًا على الجباية، وكذلك ثورات معاصرة للأمم القريبة من أرض الخرطوم عام 1964، حيث انتصرت أول ثورة شعبية في العالم العربي وافريقيا، وكذلك ثورات الشباب التي بدأت في فرنسا، وانتقلت إلى دول العالم في عام 1968، ثم الثورة الإيرانية عام 1979.

وتحت عنوان "لماذا ثارت مصر؟" يعرض بسيوني، لحقائق وأرقام عن انحدار دور مصر، كما ورد في التقرير الخامس للتنافسية، والذي رصد هبوط مصر إلى المركز 77 وتقرير منظمة الرعاية الاجتماعية لعام 2008، والذي أشار إلى انكماش دور الدولة.

وتدني مستوى الرعاية الصحية، ثم يلقي الضوء على حياة البذخ في القصر الرئاسي والتمهيد لتوريث الحكم، ويوضح نقلاً عن روايات محمود صبرة، مدير إدارة الترجمة والمعلومات والصحف بمقر الرئاسة، ان جمال مبارك كانت تصله نسخة يومية من التقارير الصحافية والمعلوماتية، فضلاً على اشتراكه في تعديل الخطاب الرئاسي للرئيس.

ويؤكد المؤلف أن السياسات التي اتبعها النظام السابق، كان لها دور كبير في قيام ثورة 25 يناير، حيث اهترات الثقافة بالتشكيك في العناصر الرمزية، كقيم الأمانة والصدق والجودة. وفي الاقتصاد، جلبت سياسات التحول الانتقائي نحو اقتصاد السوق الحر، ما يلبي أهواء الطبقة الحاكمة، فضلاً على الخصخصة في انتشار البطالة والفقر، وسوء توزيع الدخل، كما عانى النظام الحاكم في عهد مبارك، من أزمة مستحكمة بين سلطات تجمعت كلها في يد شخص واحد، حيث هيمنت السلطة التنفيذية وانتهت مصداقية الخطاب السياسي.

وينتقل المؤلف في الجزء الثاني من الكتاب، إلى الحديث عن بدايات الثورة، منذ أن أكدت التقارير الأمنية، أن الشباب الذين يخرجون للتظاهر، مجرد تجمع لشباب هم من الغاضبين، ومع الاستعداد الأمني يمكن تطويقهم.

ويحكي بسيوني تكتيك التظاهر الذي كان ينص على عدم الوقوف في مكان محدد، حتى لا تتمكن أجهزة الأمن من محاصرة المتظاهرين، ثم كسر الحاجز الأمني والتحرك باتجاه ميدان التحرير وتغيير أماكن التجمع المتفق عليها بسرعة، ثم يذهب إلى الوصف التفصيلي الدقيق لكل يوم على حدة، من أحداث الثورة، كيوم جمعة الغضب وموقعة الجمل.

وأما عن موقف المؤسسة العسكرية من الثورة، فيوضح المؤلف أن الجيش أيضًا كان مع الثورة، لأنه كان يرفض فكرة توريث الحكم لجمال مبارك، حيث كان الأخير يكره المشير طنطاوي ورئيس المخابرات عمر سليمان، اللذين رفضا تدخله في شؤون أعمالهما.

ثم يتطرق المؤلف إلى الموقف الأميركي من الثورة المصرية، فيقول: "إن الولايات المتحدة، توقّعت حدوث مظاهرات في قطاعات عديدة من المجتمع المصري، لكنها لم تعرف حجم وتوزيع وتزايد المظاهرات، أما أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فلم تتوقع حدوث انتفاضة شعبية بهذه الضخامة.

ويرجع ذلك إلى الفكرة السائدة في أجهزة المخابرات الإسرائيلية، بأن نظام مبارك قوي مع معارضة ضعيفة، بالإضافة إلى عدد من الأسباب الأخرى". ويتحدث المؤلف أيضًا عن دور الإنترنت في الثورة، موضحًا أن شبكة الإنترنت عزّزت النمط الشبكي أو الأفقي خلافًا للنمط الرأسي الهرمي المعروف في أجهزة الإعلام، وساهمت في كشف صفقات مشبوهة للنظام السابق.

ويختم بسيوني كتابه: "وفي لحظة نادرة، بدا كما لو أن كل شخص في مصر يعرف أن المظاهرات ستعم البلاد ،ويمكن أن يشارك فيها.. وجاء هذا الشباب النبيل الأكثر شهادة وإصابة وحركة، وأشعل فتيل الثورة، وكان رأس سهم ثورة صنعها شعب مصر كله، وخرج من ظلمة الظلم والعنف والجبروت والقسوة واليأس، إلى فضاء الحرية".

 

 

 

الكتاب: ثورة مصر.. الزمن.. الجغرافيا.. المواقف

تأليف: عبد الحميد بسيوني

الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية - 2012

الصفحات: 609 صفحات

القطع: المتوسط