كرّس الكاتب والروائي الفرنسي، اريك اورسونا، عضو الأكاديمية الفرنسية، كتاباً سابقاً ــ عام 2006 ــ للحديث عن العولمة، من خلال نبات القطن. وهو يعود في كتابه الأخير، الصادر قبل أسابيع للموضوع نفسه، عبر التأريخ للورق.

اختار المؤلف لكتابه الجديد عنواناً هو "على طريق الورق"، مما يحيل بصورة مباشرة إلى ملحمة "طريق الحرير" و"طريق التوابل"، وإلى التاريخ بصورة عامة. إنه يتحدث عن الورق في الأمس البعيد والمرتبط بالذاكرة، والذي يحمل في طيّاته "الأزمنة القديمة"، وأيضاً ورق الوقت الراهن، الذي تتم إعادة تصنيعه بنسبة 60 بالمائة، والذي لا يتم إنتاجه بأكثر التقنيات تقدماً، ولكن أيضاً "الورق غداً" الذي يردد كثر أنه "مهدد بوجوده".

يمثل الكتاب "رحلة" إلى مختلف أصقاع الأرض التي عرفت صناعة الورق، منذ الأزمنة القديمة، ومما يقود إلى مدينة دون هوانغ، آخر مدينة صينية على طريق الحرير، والتي وجد المؤلف فيها، كما يشير، أقدم أمكنة وجود الورق في العالم. وكذلك يقود ايريك اورسونا قارئه إلى المكتبة الوطنية الفرنسية، حيث نعرف أن الكاتب والشاعر فكتور هوغو، كان يصرّ على كتابة عمله الشهير "البؤساء"، على ورق يميل لونه إلى الزرقة.

وفي القسم الأول من الكتاب، يبدأ المؤلف بالحديث عن الصين: "مهد صناعة الورق"، منذ 22 قرناً من الزمن. وانطلاقاً منها، تغلغل إلى العالم الغربي وغيره من مناطق العالم، ليحل محل ورق البردي الذي برع المصريون القدماء في الكتابة عليه، وسوى ذلك من الرقائق المستخدمة للكتابة.

ويؤكد المؤلف في هذا السياق، على الدور الكبير الذي لعبه العرب والمسلمون، من تجّار وغيرهم، في نقل الورق، ونقل آليات تصنيعه حتى ضفاف الحلف الأطلسي، انطلاقاً من الصين. ويجدد القول" إنهم لعبوا بذلك، دوراً جوهرياً في تقدّم المسيرة الإنسانية».

وتتم الإشارة إلى أنه عندما وصلت موجة الورق إلى إيطاليا، في القرن الثالث عشر، تركزت صناعته أولاً في منطقة فابريانو، ثم انتقل بعدها إلى فرنسا، حيث جرت صناعة عدة أنواع من الورق، بما في ذلك الذي جرى استخدامه في لفافات التبغ. ولا ينسى المؤلف الحديث عن صناعة الورق بالطرق التقليدية في فرنسا، وفي اليابان أيضاً.

ويتوقف المؤلف طويلاً في صلب التاريخ "المقتضب" الذي يقدمه عن الورق وصناعته، يتوقف عند الثورة التي عرفتها هذه المادة في القرن التاسع عشر. إذ جرى، آنذاك، تصنيعه بطريقة ميكانيكية. ففي عام 1826، اشترى المدعو فريمين ديدو ورشة لصناعة الورق وجهّزها بآلات إنجليزية. وفي مثل ذلك السياق، ازدهرت الصحافة وكانت بالوقت نفسه، سبباً في جعل تصنيع الورق ضرورة حيوية من أجل زيادة كمية التوزيع.

وفي القسم الثاني من الكتاب يدرج لنا وصفاً لخلاصات بحثية عن قيام ايريك اورسونا بزيارة العديد من مصانع الورق في العالم. ويولي اهتماماً خاصاً، في هذا الصدد، للحديث عن المواد الأولية التي يجري تصنيع الورق انطلاقاً منها. ويبين أنه بسبب الاستخدام الكثير للخشب في صناعة الورق، أصبحت مصانعه قريبة (جغرافياً) من الغابات. ويسأل المؤلف: هل الغابات بائسة بفعل ذلك؟ وهل أدت صناعة الورق إلى زيادة قطع أشجار الغابات في العالم؟

إن الإجابة التي يقدمها المؤلف عن هذين السؤالين، ترتكز على تحقيق دقيق قام به، وهي تتسم بقدر كبير من الاعتدال. وهو يبين، وذلك في الوقت الذي يؤكد فيه على أن حيثيات هذا الأمر تتم في سومطرة، يوضح أنه تقوم الشركات الإندونيسية بتدمير منهجي للغابات وبتواطؤ صريح من قبل السلطات العامة، وبالمقابل، فإن الأمر مختلف في اسبيريتو سانتو في البرازيل، حيث يتم زرع أعداد كبيرة من الأشجار، لتعويض ما يتم اقتلاعه منها.

ويولي ايريك اورسونا، اهتمامه في أحد فصول الكتاب الأخيرة، بالبحث في التطور التكنولوجي الذي يخص اقتصاد الورق والورق المقوّى ــ الكرتون. ويدخل المؤلف إلى مراكز الأبحاث المتخصصة في هذا الميدان، في منطقة غرونوبل الفرنسية.

والتي يسميها: "وادي عجينة الورق"، وأيضاً إلى مراكز منطقة كويبك الكندية. وفي الحالتين، يكتشف قدرة الورق على مقاومة الاقتصاد الرقمي واقتصاد المواد البلاستيكية، والبقاء كسلعة في صميم مسيرة التقدم التي يشهدها العالم اليوم.

وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب، يؤكد المؤلف على ضرورة التحلي بالمسؤولية، فيما يتعلق بحماية البيئة. والتأكيد على أهمية "إعادة تصنيع" الورق المستخدم، ولكن، طبعاً، ليس ورق العملات. ولا يتردد في التأكيد على أن الورق مادة مستقبلية ومادة ايكولوجية، بامتياز.

ويقول هنا: "ليس هناك مادة أخرى في التاريخ، عرفت منذ 2200 سنة، مثل هذا القدر من التحوّل والتنوّع والثراء". وفي النهج ذاته من التفكير، يشدد اورسونا على أن الكتاب الورقي، يمتلك جميع مقومات المقاومة والصمود أمام الكتاب الرقمي. ومع ترحيبه بآخر المكتشفات التكنولوجية في جميع الميادين، لا يتردد المؤلف في إعلان "هواه" حيال الكتاب الورقي، وتعلقه بالكتابة والقراءة.

 

 

 

 

الكتاب: على طريق الورق

تأليف: ايريك اورسونا

الناشر: ستوك باريس 2012

الصفحات: 311 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

Sur la route du papier

Erik Orsonna

Stoc- Paris- 2012

311 .p