تشكّل المنشطات أحد التهديدات الرئيسية التي تواجه اليوم الرياضة، من حيث اعتبارها مظهرا لـ"الغش". لكن، برز، حاليا، مصدر تهديد آخر، يتمثل في استغلال المباريات الرياضية، بشتى أنواعها، عبر عمليات المراهنة. هذا ما يناقشه كتاب صدر أخيرا، تحت عنوان رئيسي "الرهانات الرياضية والفساد". وعنوان فرعي: "كيفية المحافظة على نزاهة الرياضة".

المساهمون في هذا الكتاب يعتبرون عملية الغش لافتعال الخسارة في المباريات الرياضية، مقابل مبالغ مالية، السمة الأكثر بشاعة في عالم الفساد الرياضي. وتتم الإشارة ضمن هذا الإطار، إلى شراء اللاعبين كي لا يبذلوا كل طاقاتهم في اللعب، وإلى دفع المال للحكّام، كي يغمضوا اعينهم عن الأخطاء أو يختلقوا بعضها. وما يتم تأكيده هو أن مثل هذه الممارسات، غدت شائعة أكثر فأكثر في الحقبة الراهنة.

تتوزع مواد الكتاب، بين ثلاثة أقسام رئيسية، ويحظى القسم الأول منها :"هشاشة عالم الرياضة في مواجهة الرهانات الرياضية"، بتركيز موسع، إذ تتم في هذا القسم معالجة محورين أساسيين، يتعلق الأول بـ"تحليل قوى وطرق الفساد الرياضي". والثاني بـ"الدور الخاص للرهانات الرياضية في الفساد".

ويحمل القسم الثاني عنوان: "مكافحة الفساد الرياضي المرتبط بالرهانات"، وتجري دراسته، من خلال تناول ثلاثة محاور، يخص الأول منها:"قوى الوقاية وتداخلها". والثاني: "من أرض الملاعب إلى الجريمة المنظمة". ويدرس المحور الثالث "السوق العالمي للرهانات الرياضية".

أما القسم الثالث والأخير من الكتاب، فهو مكرّس لـ"التوصيات"، وبالتحديد تلك الموجهة منها إلى "القوى الفاعلة" في عالم الرياضة. ثم تحديد "رهانات التنسيق الدولي" لآليات مكافحة الفساد الرياضي. ويتم التطرق في هذين المشربين، إلى دور السلطات العامة، في مختلف البلدان. وكيفية النضال ضد الشبكات الدولية للفساد الرياضي.

ويبدأ المؤلفون تحليلاتهم بكلمة قالها جاك روج، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، في الأول من شهر مارس عام 2011. ومفادها: "بالتأكيد سيكون هناك عدد أكبر من المباريات غير النزيهة في المستقبل، إذا أغمض العالم الرياضي عينيه، وإذا لم تكن لدينا صلات جيدة مع شركات الرهان الرياضي.

ومع الحكومات. وبعد أجل، ربما يتم التشكيك بمصداقية نتائج المباريات (...). إذا جرى التشكيك غدا بمصداقية أبطال الرياضة واستبدال النزاهة، بالتلاعب بالمباريات أو بشراء اللاعبين، فإن مصداقية الرياضة كلها ستزول".

ويشير الباحثون، في اسهاماتهم بالكتاب، إلى أن عام 2011، عرف تعبئة لا سابق لها، من أجل الدفاع عن نزاهة الرياضة، بمواجهة نشاطات المنظمات الإجرامية التي تستغل المباريات، لغايات كسب المال وتبييض المال القذر، وذلك بواسطة منظومات الرهان عبر الانترنت وغيره.

ويلفت مؤلفو الكتاب، في هذا السياق، إلى القانون الذي صدر في فرنسا عام 2010، بخصوص تنظيم الرهانات الرياضية عبر الانترنت. والذي أراد واضعوه، أن يكون بمثابة جواب على المخاطر المتعلقة بعدم تنظيم الرهانات الرياضية، على الصعيد العالمي.

ويقدّم المساهمون ثلاثة نماذج- عينات، من حوادث الفساد الرياضي، الشهيرة، تتعلق الأولى بما يسمى "فضيحة بلاك سوكس" في عام 1919، ذلك عندما قبل أفضل فريق لكرة البيسبول الأميركية الهزيمة في المباراة النهائية، أمام فريق نادي سنسانتي، الذي فاز بالبطولة خلال تلك السنة. وتجري الإشارة الى أن العامل الرئيسي في عملية (بيع) المباراة، كان يتمثل في العلاقات المتوترة جدا، بين اللاعبين ورئيس نادي سوكس- شيكاغو، عندما رفض الرئيس بإصرار، زيادة رواتب اللاعبين.

ويخص النموذج الثاني "قضية هانسي كرونج"، لعام 2000، والتي كشفت فيها شرطة نيودلهي، العاصمة الهندية، عن تسجيل لحديث هاتفي بين هانسي كرونج، كابتن فريق رياضة الكريكيت في جنوب إفريقيا، وبين أحد المراهنين الهنود. وكان فيها الفريقان يتفاوضان حول التلاعب بسير المباراة. وكذبت الفدرالية الرياضية المعنية بجنوب إفريقيا ذلك، ولكنها علّقت مشاركة رئيس الفريق بأية مباراة، بعد اعتراف أحد اللاعبين بأنه، لم يكن أمينا ما يكفي.

وأما النموذج الثالث، فيخص القضية الجارية، التي تخص إدانة أعضاء من منظمة إجرامية في البلقان، بالسجن لعدة سنوات، والمعروفة باسم "منظمة بوكوم"، طبقا لمسمى المدينة الألمانية التي اتخذتها مقرّا لها. وقد كشفت عمليات التجسس الهاتفي، خلال الفترة من عام 2008 وإلى 2009، أن أعضاء تلك المنظمة، قاموا بالتلاعب بنتائج أكثر من 320 مباراة لكرة القدم، في 12 بلدا أوروبيا، وايضا ببعض المباريات الدولية.

وجاء توزيع المباريات "غير النزيهة"، حسب قرار الاتهام كالتالي: 53 في ألمانيا، و12 في النمسا، و19 في بلجيكا، و8 في البوسنة، و15 في كرواتيا، و7 في سلوفينيا، و35 في سويسرا، و73 في تركيا، و33 مباراة دولية. وفي كل الحالات، يحدد المؤلفون القول ان هذه تشكل أكبر قضية فساد في تاريخ الرياضة الأوروبية.

 

 

 

 

الكتاب: الرهانات الرياضية، كيفية المحافظة على نزاهة الرياضة

تأليف: باسكال بونيفاس سارة لاكاريير بين فيرشورن

الناشر: ارمان كولان باريس 2012

الصفحات: 163 صفحة

القطع: الصغير

 

 

 

Paris sportifs et corruption

Pascal Boniface, Sarah Lacarrière , Pim Verschuren

Armand Colin- IRIS - Paris- 2012

163. p