يعتبر الصينيون أن العام 1976، كان أحد أكثر السنوات سواداً في التاريخ الصيني كله. فهو العام الذي شهد وفاة الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، وما تلا ذلك من صراع على السلطة. وفي 28 يوليو من السنة نفسها، ضربت هزة أرضية مدينة تانغ شان الشهيرة بمناجمها في شمال البلاد. وكانت قوة الزلزال 7,8 درجات. وأما عدد الضحايا فقد بلغ حوالي 250000 ضحية.

وشهد العام ذاته وفاة رئيس وزراء صيني سابق شهير: شو ان لاي. وذلك قبل شهرين فقط من وفاة ماو تسي تونغ الذي قاد الصين لمدة ربع قرن من الزمن. وتحت عنوان "وفاة ماو" يقوم الكاتب جيمس بالمر، بتقديم كتاب يتحدث فيه عن زلزال تانغ سان وولادة الصين الجديدة، كما يقول عنوانه الفرعي.

إن مؤلف هذا الكتاب يجمع بين الكارثة الطبيعية التي حلّت بالمدينة المنجمية الصينية، مع رحيل عدد من رموز النخبة السياسية التي قادت الصين لسنوات طويلة، ليجعل من ذلك كله، إحدى اللحظات المفصلية، التي أعلنت عن تغييرات عميقة قادت الصين إلى مصاف القوى العظمى، في عالم اليوم.

ويقودنا المؤلف بداية إلى داخل القصر الذي كان يُستخدم سابقاً كمقرّ لإقامة أباطرة الصين في قلب العاصمة بكين. وكان ماو تسي تونغ مريضاً وكان الصراع على السلطة قد بدأ بين "مجموعة المثقفين الراديكاليين" الذين كانت تقودهم زوجة ماو نفسها "جيانغ كينغ" التي حلمت طويلاً بتولّي السلطة. وينقل عنها المؤلف قولها: "ما يلفت الانتباه على المدى الطويل هو السلطة".

وعلى الجانب الآخر كانت هناك "المجموعة اليمينية" بقيادة "دينغ كسياو بينغ" الذي كان يؤمن بضرورة القيام بإصلاحات اقتصادية ضرورية من أجل إنقاذ الصين من الوضع الصعب الذي دفعت "الثورة الثقافية"، التي قررها ماو، الصين إليه. وكان هذا الفريق يستلهم كثيراً من "شو ان لاي" رغم أن "يديه كانتا ملوثتين بالدماء" وكان قد أيّد جميع القرارات التي اتخذها ماو تسي تونغ في اتجاه تعميق الثورة الثقافية. ويقول عنه المؤلف أنه "أنقذ عدداً أكبر من المعالم الأثرية مما أنقذ من الأشخاص".

ويشرح المؤلف أنه على بعد مئات الأميال من المكان الذي كان يحتضر فيه ماو تسي تونغ، كان الآلاف من الصينيين العاديين يواجهون الزلزال الرهيب في تانغ شان. وذلك الزلزال الذي فاقت قوته بـ400 ضعف، قوة القنابل الذرية التي أطلقها الأميركيون على مدينتي ناغازاكي وهيروشيما اليابانيتين، في شهر أغسطس، عام 1945، ووضعت حداً نهائياً للحرب العالمية الثانية، ووصلت آثاره، أي الزلزال، إلى بكين.

وما يؤكد عليه المؤلف، أن عمليات الإنقاذ تركّزت على المدينة وأهملت إلى حد كبير الأرياف. وإلى جانب الأعمال البطولية التي قام بها رجال الإنقاذ والبشر العاديين، كان هناك العديد أيضاً من عمليات السلب والنهب. ويقدّم المؤلف محتوى مقابلات أجراها مع الناجين من الزلزال، الذين يروون قصة نضالهم من أجل البقاء والاستمرار في الحياة في مدينة كانت شوارعها مفروشة بالجثث.

ومن خلال سلسلة الشهادات والملاحظات، يخرج جيمس بالمر، بنتيجة مفادها أن الدولة كانت غافلة ومأخوذة بأزمة خلافة ماو تسي تونغ. وعاجزة بالتالي، عن مواجهة صدمة مفاجئة وغير منتظرة.

وتتمثل إحدى الأفكار الأساسية التي يطرحها المؤلف في هذا الكتاب، باعتبار أن عام 1976، كان لحظة انتقال لفترة ما بعد ماو تسي تونغ، في الصين. والسمة الأساسية لتلك الفترة، يتم تحديدها بقيام سلسلة من الانقلابات الداخلية وعمليات الاعتقال التي طالت ما عُرف بـ"عصابة الأربعة"، والتي كانت تتزعمها زوجة ماو. وتلك الأحداث كلها، مهدت خلال العامين اللذين أعقبا وفاة ماو، لوصول دينغ كسياو وبينغ، إلى السلطة.

وأما الفترة الانتقالية لما بعد ماو، فيتم تقديمها على أنها نوع من الانتقال من ذهنية الثورة الثقافية، إلى الصين الصاعدة في إطار العالم الرأسمالي، وحيث غدت بكين إحدى القوى الفاعلة على المسرح الدولي. ومع ذلك يرى المؤلف أن السنوات العشر الأولى، التي تلت رحيل ماو، شهدت توجّه رجل الصين القوي دينغ كسياو بينغ والمقرّبين منه، نحو بناء اشتراكية تتماشى مع السوق.

وذلك إلى جانب تحسين العلاقات مع كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية. كما تمّ الشروع بسلسلة من الإصلاحات القانونية والاقتصادية. ويرى المؤلف أن وفاة ماو، كانت لحظة بحثت فيها الصين عن إعادة التفكير بالحرب الباردة، وليست بالهروب منها.

ويقدم المؤلف في هذا الكتاب، صورة لأنماط سلوك النخب السياسية الصينية، من خلال طريقة تصرفها حيال الكوارث الطبيعية. وعبر هذا يبيّن مدى التطور، بل التغير الكبير، الذي عرفته "إمبراطورية الوسط"، ما بين وفاة ماو تسي تونغ عام 1976، وما وصلت إليه اليوم، حيث إنها غدت في الطريق الذي هو بصدد أن يجعل منها، أحد أكثر بلدان العالم ثراءً، وربما الأكثر قوة في أواسط القرن الحالي.

 

 

الكتاب: وفاة ماو

تأليف: جيمس بالمر

الناشر: فابر- لندن - 2012

الصفحات: 288 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

The death of Mao

James Palmer

Faber - London - 2012

288.p