يشتمل كتاب «سعيد حورانية : الأعمال القصصية الكاملة»، على جميع الإبداعات القصصية لحورانية، متجسداً بمنحى مرجعي مهم في هذا المجال. وكانت أعلنت مجموعة سعيد حورانية الأولى «وفي الناس المسرة 1952»، في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، ميلاد كاتب وعالم قصصي جميل، وذلك بعد الخروج العسكري والإداري للفرنسيين من سوريا، فجاء رافضاً القوى المسيطرة على الواقع المجتمعي حينها، إذ رأى أن ذلك هو استمرار للماضي.

ونجد في الكتاب كيفية حذاقة حورانية في توظيف القص لتبيان تفاصيل ذلك الصراع بين القديم والجديد، إذ نجده سيأخذ صورته وبُعده الاجتماعي الواضح، في مجموعتي سعيد حورانية التاليتين:

«شتاء قاس آخر»، و«سنتان وتحترق الغابة». وفي المجموعات الثلاث، يكتمل رسم عالم قصصي جديد تماماً، إنه عالم الكفاح والتغيير والأمل، عالم قصصي لن يُدرك كنهه تماماً إلا بالرجوع إلى مرحلة الخمسينيات من القرن الـ20، مرحلة الكفاح الاجتماعي الوطني- الفكري الذي شهدته الساحة العربية، والسورية خصوصاً.

وكما كان الصراع واضحاً على أرض الواقع، فقد كان واضحاً في أرض العالم القصصي لسعيد حورانية، حيث ينتهي الصراع في هذا العالم القصصي بانتصار الإنسان، لأن سعيد حورانية يضيف إلى عالمه القصصي رؤيته الفكرية لحركة التاريخ: الإيمان بالإنسان والمستقبل، وبهذا فإن العالم القصصي لهذا القاص لا يقف عند حدود مرحلة الخمسينيات، بل ينفُذ خارجها باتجاه المستقبل، كما يراه أو يريده الكاتب، فإن هذا الصراع يتجسد ويتعين واقعياً واجتماعياً.

وتتجسد هذه القوة، في القوى المسيطرة والظالمة في المجتمع، وفي كل أنواع السيطرة والظلم: (العسكر والدرك) الذين ينفّذون قانوناً جائراً. وهناك الأهل الذين يمثلّون قِيماً اجتماعية وأخلاقية قديمة: المُلاك الكبار والحكومة والمستعمرون. وهناك (البوم والغربان) كرمز لهذه القوى، وبمفهوم آخر: هناك قوى الشر مجتمعة، ولكنها تظهر في هذا العالم القصصي مجسّدة: واقعية بشرية.

وفي الطرف الثاني، تظهر في عدد من القصص في الكتاب، قوّة نقيض لماهية القوة الأولى المشار إليها، وهي تتعرض للتعسف والظلم، فتتحرك لمكافحة الظلم الذي يقع عليها، وتتجسد هذه القوى في الفقراء عموماً، وكرمز لها يستخدم سعيد حورانية الطيور الجميلة، ويمكن تسمية هذه بقوة الخير، ولكنها قوى مجسدة واقعية وبشرية أو إنسانية.

إنّ مكان الصراع في قصص حورانية، هو الأرض العربية في «سوريا» كلّها، ولهذا فالصراع يتجلّى عينياً في حياة الناس البسطاء اليومية، ومن هنا فإنّ الصراع يأخذ في عالم سعيد حورانية القصصي، شكلاً وبعداً إنسانياً واجتماعياً وفكرياً محدّداً، إنه صراع بين الظالم والمظلوم، صراع بين قوى تريد إدامة ذلّ الإنسان وبؤسه وجوعه، وقوة تريد رفع سيطرة وظلم المستعبدين.

إنّ سعيد حورانية لم يقتصر على أن يرى ببصره مرحلة الخمسينيات من القرن الـ20 في سورية، بل رأى ببصيرته «مرحلة الصراع الإنساني» كلها، وكما يريد لها أن تكون وأن تنتهي، حيث نجد أنه تدير بوصلتها موهبة الكاتب وقدرته القصصية على السرد.

اضطر الكاتب (في فن القصص، وفي اللغة)، إلى التبسيط من اللهجة الفصحى. وأما من حيث (الشكل) فقد أدخل تقنية قريبة من التقنية السينمائية، فاستخدم، وببراعة، ما يسمّى «المونتاج المتوازي»، حيث يتوازى حادثان مترابطان ليقدما حدثاً واحداً جامعاً للحدثين:

«قصة قيامة أليعازر»، كما استخدم عملية الترميز، إذ يجد الكاتب في رمز ما، معادلاً موضوعياً لوضع واقعي، إنه دلالة الواقع ومعناه وروحه. وإلى جانب عملية الترميز، قدم سعيد حورانية قصصاً تكمن قوتها في مباشرتها وشدّة ملاصقتها للواقع، إذ إنه يثبت حقيقة أدبية وهي أنّ (الشكل) بذاته، لا يعني دائماً الكثير، كما لا يعني (المضمون) بحدّ ذاته الكثير.

وعموماً، فإن هذا الكتاب، يأتي تقديراً لفن القصة القصيرة في سوريا، وتقديراً لأحد روّاده، في ذكرى وفاته، حيث تُقدم وزارة الثقافة الأعمال القصصية الكاملة لسعيد حورانية، مع تقديم ودراسة لمحمد كامل الخطيب، ومقابلة أجراها معه قبل وفاته، حسن م. يوسف ومحمود عبد الواحد.

 

 

 

 

الكتاب: سعيد حورانية الأعمال القصصية الكاملة

الناشر: وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب 2012

الصفحات: صفحة576

القطع: المتوسط