يضم كتاب "نجيب محفوظ.. من الجمالية إلى نوبل"، لمجموعة مؤلفين (مجموعة كتاب)، دراسات متنوعة ومعمقة متخصصة في جوانب عدة حول شخصية نجيب محفوظ وإبداعاته، ومنها: الفيلسوف والسياسي والمؤرخ والمصلح الاجتماعي.
وامتدت الدراسات في الكتاب، لتشمل طريقة محفوظ في بناء شخصياته ومدى نجاحه أو قصوره في وضع ملامحها، بل شملت أيضاً الجانب التشكيلي في أدبه، من خلال رؤية تشكيلية للحارة المصرية التي هي بمثابة الحاضنة في رواياته وقصصه، وطبيعة الشخصية المسلمة والمسيحية في عالمه، القائم على العلم والدين.
ويكشف محمد صبري السيد، السكرتير الخاص للأديب الراحل، في هذا السياق، عن جوانب خيّرة عدة في محفوظ، لا يعرفها قرّاء رواياته وقصصه، إذ يقول: " كان يهتم بمعرفة ما يُكتب عنه وعن رواياته وقصصه ولا يعلق". ويلفت إلى أنه لم يسمعه يوماً يتلفظ بسوء عن شخص هاجمه أو أخطأ في حقه. كما كان حريصاً على ألا يهمل رسالة تصله، ويرد على المرسل منه.
وأما الناقد د.محمد عبد المطلب، فيرصد المسيرة الإبداعية لمحفــوظ، ضمن الكتاب، من خلال دراسته بعنوان "الصعود إلى نوبل"، إذ يربط فيها بين حياته وما صاحبها من التحوّلات المصرية والعالمية التي عاصرها، بدءاً من الحرب العالمية الأولى 1914 1918، ومن ثم الحرب العالمية الثانية بعدها، وكذلك مرحلة التنوير في مصر التي وصلت ذروتها في ثورة 1919.
والتــي يشير عبد المطلب إلى أن محفوظ تابعها في مظاهراتها وهو طفل من شرفة منزله (بيت القاضي) بحي الجمالية، وسجّلها ببراعة لافتة في ثلاثيته الخالدة: بين القصرين ـ قصر الشوق ـ السكرية. ويضيف عبد المطلب: "تتابعت الأحداث العربية والمصرية، فكانت نكبة فلسطين سنة 1948ثم ثورة يوليو 1952..
وخلال هذه التحوّلات المصرية والعربية والعالمية، جاءت تحوّلات محفوظ الإبداعية، التي بدأت فاعليتها من أعماق الواقع المصري، ملتحمةً به على نحو مباشر؛ لقد كانت بداية إطلالته على الواقع المصري من شرفة بيته في حي الجمالية، ثم اتسعت نافـــذة الإطـــلال واقتربت أكثر من الواقع مع بداية ارتباطه بـ"المقهى" سنة 1943، ثم دخول هذه البداية إلى شكل الندوة الدائمة ابتداءً من سنة 1945...".
ويؤكد عبد المطلب أن أسطورية نجيب محفوظ تشمل جانبي الكيف والكم، فقد أبدع ما يربو على الـ50 رواية، وثلاثمائة وخمسين قصة؛ وخمس مسرحيات من ذوات الفصل الواحد، فضلًا عن مقالاته التي بلغت سبعـــة وأربعيـن.
ويبين أيضاً أن إبداع محفوظ كان كتاباً مفتوحاً للواقع المصري بكل تحوّلاته في القرن العشرين، لكنه كتاب يستوعب قضايا الإنسان على وجه الإطلاق، قضايا الظلم والعدل، القيود والحرية، والتخلف والتقدم.
ويلقي الناقد الأدبي د.حلمي محمد القاعود، في دراسته بالكتاب، الضوء على الفكرة الإسلامية في أدب محفوظ، فيرى أن الحالة الإسلامية في أدبه محور مهم من المحاور التـــي يتجـــادل حولهـــا القراء والنقاد؛ فهناك من يقطع بأن محفــــوظ كان يعبّر عن الإسلام تعبيراً صحيحاً عبر رواياتـــه، وأنه موالٍ تماماً لروح الإســـلام وقيمه.
وهناك من يرى غير ذلك، فيعدّه كاتبـــاً علمانيــاً لا يعير الإسلام اهتمامـــاً حقيقياً، وأن روايتـــه الشهيرة "أولاد حارتنا" تمثل انحرافاً عقائدياً وفكرياً عن جادة الإسلام، ثم إن موقف محفوظ من الحركات الإسلامية والشخصيات المتدينة عموماً ليس إيجابياً بصفة عامة! ويرى القاعود أن الشخصية الأكثر تأثيراً في فكر نجيب محفوظ، وتصوراته، هي شخصية الكاتب اليساري سلامة موسى، الأديب والمفكر، ووفقاً لما رآه محفوظ، كان تأثير سلامه كبيراً في الجيل كله.
وكذلك فإن كتبه ومؤلفاته، أضاءت الطريق أمامهم نحو الحياة الحديثة والأفكار المعاصرة.. ويلمح القاعود إلى أنه، ومع تأكيد محفوظ على أن "أولاد حارتنا" لا تعادي الإسلام ولا تحاربه، فإنه يعترف بأنه اختار أسماء الشخصيات في الرواية موازية لأسماء الأنبياء، وجعل من المجتمع انعكاساً للكون؛ وأن المغزى الأساسي لرواية "أولاد حارتنا" هو أنها حلم كبير بالعدالة، وبحث دائم عنها.
ومحاولة للإجابة على سؤال جوهري: هل القوة هي السلاح لتحقيق العدالـــة أم الحب أم العلم؟ كما يلاحظ الناقد القاعــود، أن معظم الشخصيات الإسلامية التي وردت في روايات أديب نوبل، كانت فصامية أو انتهازية، ولم يكن أيّ منها متسقـــاً مع نفسه أو مع قيم الإسلام، أو كانت صوفيــــة مغيبة عن الواقع وبعيدة عن مشكـــلات المجتمــع.
ثم ينتقل الناقد المصري القاعود في دراسته، إلى التأكيد على أن محفوظ في خواتيم حياته غير محفوظ في شبابه ونضجه؛ لقد تحـــول من مرحلة القلق الفكري والعقدي إلى مرحلة أعلن فيها التصالح مع نفسه، مؤكداً أهمية الإسلام. وفي دراسة في الكتاب، تحت عنوان "كيف هي الشخصية المسيحية في حياة نجيب محفوظ وكتاباته؟"
حاولت الكاتبة ليلى فريد، الإجابة عن هذا التســـاؤل، فوجدت أن النماذج المسيحية في أعمال محفـــوظ قليلة؛ لأنه لم يكتب إلا عما عرفه واختبره جيداً، فأعماله محورها الحارة والأحياء الشعبية، والطبقة الوسطى من موظفين وتجار وطلبة.
ولم يكتب مثلاً عن الريــف أو الصعيد أو الفلاحين؛ لأنها ببساطة أماكن لم يعش فيها؛ ورغم أن الثقافة الوحيدة في بيته الذي ولد فيه، كانت ذات طابع ديني، إلا أن أباه لم يتردد في تسميته باسم الطبيب القبطي "نجيب باشا محفوظ" الذي أنقذ الأم والمولود من الولادة المتعسرة.
وتشرح ليلى فريد عن جانب الشخصيات المسيحية التي تضمنتها أعماله، مبينة أنها جاءت كلها في سياق طبيعي، دون إقحام على العمل الأدبي، وليس كما يحدث في الكثير من الأعمال الحديثة، حيث يزج الكاتب بشخصية مسيحية أو اثنتين بصورة مفتعلة لمجرد الدخول في زمرة المنادين بالوحدة الوطنية!
الكتاب: نجيب محفوظ من الجمالية إلى نوبل
المؤلف: مجموعة كتاب
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة 2012
الصفحات: 333 صفحة
القطع: المتوسط
