في عام 1998، كان عمر الفتاة الكورية الشمالية انسون كيم 12 سنة. وكانت البلاد تعيش مجاعة مدمّرة، منذ عدة سنوات، فأودت بحياة مئات الآلاف من الضحايا الذين كان في عدادهم والدها وجدّها. وفي تلك السنة هربت انسون كيم مع أمها وأختها إلى الصين، بهدف الذهاب للإقامة في كوريا الجنوبية. وهي تقدّم قصة حياتها وهربها في كتاب يحمل عنوان: "الجحيم.. 9 سنوات للهرب من كوريا الشمالية".

وتوضح المؤلفة أنه أمام التهديدات التي مثّلتها المجاعة، ذهبت أمها وأختها إلى المدينة، على أمل الحصول على كمية قليلة من الأرز. وعندما عادتا كانت الفتاة الصغيرة انسون، على يقين كامل بأنها ستموت جوعاً، بل وكتبت وصيتها. وخاب أملها من جديد، إذ لم تكن الأم والأخت تحملان معهما سوى مشروع واحد، وهو العبور إلى الصين، هرباً من المجاعة.

وتروي المؤلفة ان والدها توفي جوعاً عام 1994، إذ انهار عالم بكامله. وفي اليوم نفسه، توفي زعيم البلاد الذي لقبه الكوريون الشماليون بشمس الأمة، أي كيم ايل سونغ، الرئيس الخالد الذي حكم بقبضة من حديد لسنوات طويلة. وكانت المؤلفة طفلة صغيرة، وتشير إلى أنها ذرفت في يومها، الكثير من الدموع، لأن السماء كانت تبكي من اليأس، كما كان يردد تلفزيون الدولة.

وهذا الكتاب يقدم قصة شابة بحثت عن سبل بقائها. وذلك عندما خاضت مغامرة الرحلة الخطيرة التي يقوم بها سراً كل عام، الآلاف من الكوريين الشماليين، كما تقول. وتضيف: "لم يكن في رؤوسنا سوى فكرة واحدة، وهي اجتياز نهر تومين المتجمّد، الذي يشكل الحدود مع الصين، وكذلك هدف واحد، هو تناول الطعام حتى الشبع. وبعد فترة متأخرة تطوّر لديها الوعي السياسي. وأدركت رعب ذلك النظام الشمولي- التوتاليتاري، كما تكتب.

إن والدة انسون كانت، كما تقول، في عداد النسوة اللواتي قررن البحث عن الهرب من الموت، جوعاً، ولذلك هربت إلى الصين مع ابنتها المؤلفة - والتي كانت في الثانية عشرة من عمرها وأختها الكبرى. وكانت المخاطر للوصول إلى الصين كبيرة جداً، وليس أقلها خطر الانزلاق في كل لحظة على سطح النهر المتجمد، وربما الاستقرار في أعماقه، وكذلك الهروب من رقابة رجال الشرطة الذي كانوا ينتشرون على طول الحدود.

وبعد النجاح في عبور النهر، بدأت المغامرة المأساوية في الصين، حيث جرى بيع الأم وابنتها كـعبيد" لرجل قاسٍ استغلهما. ثم جرت إعادتهما إلى كوريا الشمالية، إذ أعيدت تربيتهما من جديد، بأكثر الطرق بربرية في العالم، وبالطبع، عبر استخدام التعذيب الجسدي. وأمضت الأم وابنتاها سنوات صعبة في سجون كوريا الشمالية، بتهمة ارتكاب جريمة الخيانة. وحاول رجال النظام خلالها، إجراء عملية غسيل أدمغة لهنّ.

وكانت محاولة الهرب الثانية والوصول إلى شنغهاي في الصين. وهناك تحسّن وضعهن، بفضل مساعدة بعض رجال الأعمال الكوريين الجنوبيين. إلا أنه لم تكن الحياة سهلة في إطار السرية في الصين، والملاحقة الدائمة من قبل رجال الشرطة الصينيين، وكذلك رجال الشرطة الكوريين الشماليين، ووصل الأمر إلى حد اتخاذ قرار حاسم ذات يوم. وهو عبور صحراء منغوليا، سيراً على الأقدام.

وكانت تلك الفكرة قد تشكّلت لدى الأم والابنة، شيئاً فشيئاً. وهذا مع العلم الكامل أنه ينبغي أولاً الوصول إلى معسكر اللاجئين في كوريا الجنوبية، ثم الانتظار عدة أشهر طويلة، والتعرض لسلسلة طويلة من الاستجوابات التي تقوم بها عادة، السلطات الأمنية الكورية الجنوبية للتأكد من أن المعنيين باللجوء إلى البلاد، ليسوا بجواسيس أرسلهم نظام كوريا الشمالية. وبعد تجاوز الامتحانات كلها يتم نقل المعنيين جواً، إلى العاصمة الكورية الجنوبية سيؤول، وكذا العيش في الأرض الموعودة.

وتشير المؤلفة إلى أنه بعد وفاة كيم ايل سونغ، ووصول ابنه كيم جونغ، أصبح من الصعب أكثر فأكثر، مغادرة البلاد هرباً. وذلك أن الابن حاول بأي ثمن، وقف موجات الهرب التي اعتبرها بمثابة تشكيك بالنظام.

وتشير المؤلفة في الصفحات الأخيرة من الكتاب، إلى أن أمها لا تزال تعمل في أحد المطاعم في مركز تجاري، ضمن أحد الأحياء الغربية من سيؤول. إنها طباخة في مطعم صيني. وهي تعيش لحظات سعيدة، رغم كل ما عانته من آلام وقسوة.

وأما أختها الكبرى، فهي أم لطفلة، وزوجها في الصين.

إن الكتاب، شهادة لطفلة هربت من بلادها، كوريا الشمالية، وهي تروي بعد 10 سنوات، قصة رحلتها المحفوفة بالمخاطر والحكايات القاسية، من كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية، مروراً بالصين.

 

 

الكتاب: الجحيم.. 9 سنوات للهرب من كوريا الشمالية

تأليف: انسون كيم

الناشر: ميشيل لافون - باريس- 2012

الصفحات: 256 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

Lenfer

Eunsun Kim

Michel Lafon - Paris- 2012

256 .p