اندريه جيد، هنري باربوس، جان رينوار، لويس فرنان سيلين، لويس اراغون، بول نيزان، اندريه مارلو، من مشاهير المشهد الثقافي والفني الفرنسي، بل والعالمي، خلال القرن العشرين. وهؤلاء جميعاً، رغم تباين أو اختلاف مشاربهم الفكرية والثقافية، تجمع بينهم سمة واحدة، وهي أنهم قاموا بزيارة الاتحاد السوفييتي السابق، خلال الحقبة الستالينية، وأعمال قمعها.
فكيف تم تنظيم رحلاتهم وإقامتهم في بلاد السوفييت ورقابتها المحكمة؟ وماذا كانت نتيجة تلك الرحلات في فرنسا؟ وما كانت حقيقة روابط المعنيين بالفكر الشيوعي الستاليني؟ هذه الأسئلة وكثير غيرها من الأسئلة، تجد بعض الإجابات عنها في كتاب جماعي، يحمل عنوان: "مدروز بخيط أحمر".
المشرفتان الرئيسيتان على هذا العمل، الأستاذة الجامعية صوفي كوري والمؤرخة راشيل مازوي، وهما قامتا بجمع ما يزيد على الـ 150 وثيقة غير منشورة حتى الآن، وهي تلقي أضواء كثيرة جديدة، على رحلات أولئك المثقفين والفنانين الفرنسيين الكبار إلى بلاد السوفييت. وغالبية هذه الوثائق، مأخوذة من أرشيف روسيا ما بعد الشيوعية.
وتتوزع مواد هذا الكتاب بين ثلاثة أقسام رئيسية، يختص الأول منها بـ"إجراءات الاستقبال وتحضير السفر". ويتم الحديث في هذا القسم عن جمعية العلاقات الثقافية مع الخارج، وأشكال التعاون مع مؤسسات سوفييتية كانت على تواصل مع مثقفين، في مختلف مناطق العالم. كما يتم التعرض أيضاً، لعملية إنشاء شبكة في فرنسا قامت بالمراسلات التحضيرية لرحلات المثقفين والفنانين الفرنسيين، إلى الاتحاد السوفييتي السابق.
ويتناول القسم الثاني، الرحلة إلى الاتحاد السوفييتي، من زوايا الإحصاءات والبرامج والزيارات والاستقبالات. وأما القسم الثالث والأخير، فيخص نتائج الرحلات والعودة من الاتحاد السوفييتي. وهنا يتم التعرض للتحليلات السوفييتية لانطباعات الزائرين، وتصريحات وتعبيرات الشكر التي تفوهوا بها. وأخيراً، العودة من الاتحاد السوفييتي والمطبوعات الصادرة والندوات وأشكال التعاون، اللاحقة. وفي عام 1936 صدر عمل الكاتب اندريه جيد، الذي يحمل عنوان: "العودة من الاتحاد السوفييتي"، حيث كان الجدل حوله، وراء بروز أحد الألغاز في الحياة السياسية والثقافية الفرنسية، خلال القرن العشرين. وهو اللغز المتعلق بطريقة القيام برحلة إلى الاتحاد السوفييتي.
وتتم الإشارة إلى أنه، ما بين العام 1920 وسنوات الثمانينات من القرن الماضي، تنوّعت دوافع زيارة بلاد السوفييت، بين واقع انجذاب أغلبية الذين قاموا بالرحلة حيال ثورة أكتوبر عام 1917، وبين رغبة الآخرين بتقديم البراهين على فشل النظام السوفييتي" وهكذا، يمم كتّاب وصحافيون وفنانون، وأيضاً مهندسون معماريون وأساتذة وطلبة، شطر موسكو.
وينقل المؤلفون عن زوجين كانا يعملان في مجال التعليم، قولهما بعد زيارتهما الاتحاد السوفييتي في عام 1931، ما مفاده: "أتيحت لنا الفرصة كي نقول لكم، إننا مشبعين بالإعجاب حيال الجماهير العمالية، والتي تعمل متسامية عن أي مديح، من أجل تحقيق الخطط المقررة". وتتم الإشارة هنا، إلى أن وطن العاملين، أثار اهتماماً كبيراً لدى الفرنسيين، ظلّ قائماً وقوياً منذ الثورة البلشفية في عام 1917، وحتى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وتدل الاستقصاءات التي قام بها المؤلفان في ملفات الأرشيف، والتي فتحتها السلطات الروسية ما بعد الشيوعية، على وجود سلسلة من الوثائق المصنّفة حسب التاريخ وحسب الموضوع. وهي تحتوي على الطلبات التي تقدم بها راغبو السفر إلى الاتحاد السوفييتي.
والبرامج التي جرى تحضيرها لهم، وأيضاً التقارير التي أعدّتها الجهات المتخصصة في موسكو، عن محصلة زيارتهم. وعن العلاقات التي أقاموها. وحيث تدلّ كلها، على أنه كانت هناك رغبة واضحة، في استخدامها للدعاية. وهذا مع الإشارة إلى سلسلة من أشكال سوء الفهم، والتي تخللت تلك الزيارات.
أراد السوفييت من تلك الزيارات، التفاخر بالمنجزات التي حققتها الثورة، ومواجهة الآراء القائلة بوجود دعايات سوفييتية كاذبة. والإشارة إلى أن الزائرين الفرنسيين لم يقتصروا على المتعاطفين، آنذاك، مع موسكو. وهكذا نعرف أن دريو لا روشيل، زار موسكو بعد حضوره لفعاليات مؤتمر للنازيين في نورمبرغ عام 1935، وقد جاء في تقرير الجهة السوفييتية، أنه تشكل لديهم الانطباع أن دافعه للتخلي عن مواقعه البورجوازية إلى مواقف قريبة من مواقعهم (السوفييت) أمر في غاية الصعوبة، هذا إذا لم يكن مستحيلاً بشكل كامل.
ويبدو أيضاً، أن أصدقاء مخلصين لموسكو، آنذاك، لم يُظهروا حماسهم لتلك التجربة، بل وجّهوا النقد لها، مثل: رومان رولان الذي استقبله السوفييت بحفاوة بالغة، ولكنه لم ينقل انطباعات جيدة عن إقامته المتكررة في بلادهم. وذلك ما دلت عليه بوضوح، مقتطفات من رسائل نُشرت بعد وفاته. وكذلك من يومياته الروسية.
ويعد الكتاب، منجماً من المعلومات عن صفحات من علاقات ثقافية وفنية، بين أعلام فرنسيين والنظام السوفييتي الستاليني.
الكتاب: مدروز بخيط أحمر، رحلات المثقفين الفرنسيين إلى الاتحاد السوفييتي
تأليف: صوفي كوري، راشيل مازوي وآخرون
الناشر: المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي - باريس- 2012
الصفحات: 384 صفحة
القطع: المتوسط
Cousu de fil rouge
Sophie Cدuré, Rachel Mazuy etة
CNRS - Paris- 2012
384 .p
