يرصد كتاب "البرازيل، القوى الصاعدة في أميركا اللاتينية"، لمجموعة من الباحثين، واقع تجربة البرازيل كقوة إقليمية ودولية صاعدة، نظرا لما لها من أهمية ديموغرافية كبيرة من حيث الامتداد الجغرافي القاري الهائل والتعداد السكاني الكبير والثروات الطبيعية الغنية.
بالإضافة إلى الاستقرار السياسي، فضلا عن وجود رؤية سياسية ثاقبة وإرادة صلبة مصممة على تفعيل دور هذه القوة، إقليميا وعالميا، ذلك بعد أن أصبح اقتصاد البرازيل، الذي كان يترنح، ثامن اقتصاد في العالم، وهي إلى جانب ذلك، عضو نشط في مجموعة العشرين العالمية التي برز دورها بعد الأزمة الاقتصادية التي أصابت الاقتصاد الغربي، حيث أسهمت في معالجة الأزمة المالية العالمية الأخيرة والقضايا المتعلقة بالبيئة والتغيرات المناخية والاتفاقات والمعاهدات المنظمة للتجارة الدولية وفي الأزمات الساخنة والمشكلات المستعصية .
ويبين الكتاب كيف أصبحت البرازيل تحتل المرتبة الرابعة عالميا في دخول رؤوس الأموال من قبل مستثمرين أجانب، لذلك فإن ما حققته البرازيل من أسباب القوة، جدير بأن تستفيد منه الدول النامية لتنهض باقتصاداتها، خاصة وأن هذه القوة الاقتصادية الصاعدة كان لها أ ثرها في السياسة الخارجية، حيث كانت تنادي بقوة بتغيير قواعد النظام الدولي السائد، وتطالب بزيادة عدد الدول المتمتعة بمقعد دائم في مجلس الأمن، كما كونت تكتلات إقليمية ودولية جديدة، جمعت بين دول الجنوب.
ويعالج الكتاب موضوع البرازيل كقوة اقتاصدية عالمية مهمة، من خلال أربعة فصول، يتناول في الفصل الأول ، محور البرازيل بصورة عامة من حيث جغرافيتها وطبيعتها المتميزة وعن تاريخها وأصل تسميتها بهذا الاسم، وأيضا مواردها الاقتصادية وأهمية موقعها وتمتعها بموارد وإمكانات عالية. وعن التوجه نحو التصنيع وعن المزيج السكاني من البيض والبشرة البنية وعن وجود جاليات عربية مقيمة على أرضها، من فلسطينيين ومصريين وأردنيين وعراقيين، وانتشار المهاجرين السوريون واللبنانيين في كافة أرجائها، كما يلقي الضوء على أوضاع الإسلام وأحوال المسلمين في البرازيل، وكذلك على قدراتها العسكرية.
ويتحدث الكتاب، في الفصل الثاني، عن المسيرة الاقتصادية ومقومات الصعود التي اتبعتها البرازيل، لتصل إلى مصاف الدول الكبرى. كما يتحدث عن تاريخ نشوء الاقتصاد، إذ تبنت البرازيل، سياسة التصنيع عوضاً عن الاستيراد، كما يسلط الضوء على الأزمة المالية المحلية، بامتداداتها العالمية التي اندلعت عام 2008، التي وإن كانت قد ألقت بظلالها على هذا الاقتصاد الناشئ، إلا أن عمليات الاقتراض بالعملة الأجنبية، كان يتم استبدالها، في أغلب الأحيان، بعملة الريال البرازيلي، ولذلك تعد البرازيل واحدة من الدول القليلة المقرضة لصندوق النقد الدولي.
كما يسلط الكتاب الضوء، على النمو الاقتصادي للبرازيل من خلال دراسة مختلف عناصر الاقتصاد كالسوق المحلية، حيث تملك البرازيل مجموعة أسواق محلية تعد من أهم مقومات اقتصاد الدولة، والتي تتمتع بوفرة الموارد الطبيعية بالإضافة إلى إنتاج النفط وقصب السكر.
والذي يعد أحد أهم المشاريع الحكومية الناجحة في البرازيل، وهو ما جعل البرازيل تتمتع على مدى العقود الثلاثة الماضية باستقرار في الاقتصاد الكلي وبانخفاض في التضخم ونمو اقتصادي مرتفع، وانخفاض نسبة الديون نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن الحد من التفاوت الطبقي وانحسار نسبي للفقر. كما أن الاقتصاد البرازيلي صمد في وجه الأزمة المالية العالمية التي تركت أثرا سلبيا على معدل النمو الاقتصادي في بعض دول بلدان العالم، النامية منها والمتقدمة.
وخصص الفصل الثالث في الكتاب، لموضوع السياسة الخارجية. كما يتحدث عن معالم السياسة الخارجية البرازيلية، والتي ترتكز على علاقاتها الدولية والإقليمية، وعلى علاقات الجوار الإقليمي. كما يستعرض تاريخ البلاد السياسي، حين كانت البرازيل خاضعة لحكم عسكري طوال ستينات وسبعينات القرن العشرين،.
حيث قامت عقيدة الأمن القومي على ضرورة احتفاظ البرازيل بعلاقات تحالف قوية مع الولايات المتحدة، ومن ثم بدأت لاحقا في انتقاد السياسة الخارجية الأميركية، وراحت تحتفظ لنفسها بنهج أكثر استقلالية، وكان من تجليات ذلك أن رفضت التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، باعتبارها معاهدة تمييزية تفرق بين الدول.
وأيضا، يتناول الكتاب موضوع السياسة الخارجية، بعد مرحلة القطب الواحد، متحدثاً عن قوى في ساحة نظام جديد ومجال نفوذ البرازيل أيضا، والإمكانات البرازيلية، مقارنة بإمكانات فنزويلا. وكذلك يناقش العلاقات البرازيلية العربية، ودور البرازيل في حفظ الأمن العالمي، وعلى وجه التحديد الدور الإقليمي والدولي الذي تضطلع به وترنو إليه.
كما يشتمل هذا المحور في الكتاب، على استعراض السياحة في هذه الدولة. وكذا تحليل مستفيض للخيارات الإقليمية والدولية المتاحة أمام البرازيل. في ظل عالم يتجه نحو تعدد الأقطاب، كما في هذا الباب لمحة عن العلاقات البرازيلية العربية أفق تطورها المستقبلي واستعراض للدور المتنامي للبرازيل في مهام حفظ السلام .
وفي الفصل الاخير، يلقي الكتاب الضوء، على أبرز المشاكل الداخلية في الدولة، وأهم التحديات الخارجية التي تواجهها. ومن ثم تأثيرات ذلك في مسيرة صعودها الى جانب القوى الكبرى. كما يتحدث عن العقبات امامها، في طريق نمو الاقتصاد البرازيلي.
الكتاب: البرازيل، القوة الصاعدة في أميركا اللاتينية
تأليف: مجموعة من الباحثين
الناشر: الدار العربية للعلوم- ناشرون، بالتعاون مع مركز الجزيرة للدراسات - 2010
الصفحات: 198 صفحة
القطع: المتوسط
