القذافي .. حياة وموت ديكتاتور

ت + ت - الحجم الطبيعي

«القذافي، حياة وموت ديكتاتور»، عنوان الكتاب الذي شهدته رفوف المكتبات الفرنسية، قبل عدة أسابيع. وهو يروي، كما يدل عنوانه، سيرة حياة وقصة موت الرئيس الليبي السابق، والذي حكم بلاده طوال أكثر من أربعة عقود من الزمن.

وتوضح المؤلفة مقتل «العقيد» الليبي الشهير معمّر القذافي، بتاريخ 20 أكتوبر من العام الماضي، 2011، في ظروف لا تزال موضع العديد من الروايات والأقاويل حول الكيفية التي وضع فيها نهاية لحياة الرجل الذي حكمهم طويلاً قبل أن يثوروا عليه. فنزل الليبيون إلى الشوارع للإعلان عن فرحتهم في مختلف المدن الليبية.

 وبهذه الصورة تقدّم هيلين لكتابها عن ذلك الضابط الشاب الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي في عام 1969، وحلم في أن يحوّل ليبيا من بلد ينتمي إلى العصور الوسطى، إلى بلد حديث، عبر إعطاء السلطة للشعب ومحاولات التوحيد مع البلدان المجاورة في منظور خلق قوة اقتصادية وسياسية كبرى.

لكن الحلم الذي أعلنه العقيد لم يتحقق، بل أغرق بلاده، كما تشير المؤلفة، في حالة من الفوضى، وانتهج مساراً في الحكم، أدى إلى نظام الاستبداد والدكتاتورية. وتقدّم المؤلفة لذلك البدوي الفقير، الذي أصبح ديكتاتوراً، صورة رجل يتسم بصفات متباينة، إلى حد التناقض. وكان بالوقت نفسه، مثالياً وانتهازياً وإقطاعياً وحداثياً ومتمدناً وبربرياً. إنه باختصار، مثال بليغ للشخصية الشكسبيرية.إن المؤلفة تقدم سيرة حياة معمّر القذافي بالاعتماد على كمٍ كبير من الوثائق.

ومن التصريحات التي أدلى بها العقيد، على مدى 42 سنة من حكمه، ومن الوقائع التي عرفتها بلاده. انها تتحدث عن الضابط الثوري ورئيس الدولة الطموح والبدوي المتكبّر، والرجل الذي تقدّم في السن. وتقوم بعملية توصيف لآليات سلوكه ولحظات غضبه وأشكال قسوته ودعاباته الغبيّة. ولكنها تقدّم من خلال هذا كله، تأريخاً لليبيا، خلال فترة حكم القذافي، بما عرفته من أخطاء ومن فساد ومن جرائم.

ولا تتردد المؤلفة بالمقابل، في الحديث عن الجهود التي تمّت من أجل التحديث، حيث بدا، مثلًا، أن القطاع الزراعي أعطى في لحظة ما الانطباع بوجود تجربة ناجحة. وكان ذلك في عام 1976، إذ كان يسود الحديث عن التطوّر الاقتصادي والاجتماعي الذي حققته ليبيا، بواسطة استثمار موارد الطاقة. وبدا آنذاك أن الليبيين، في وضع أفضل من مواطني بلدان المغرب العربي المجاورة، ويجري التأكيد في هذا السياق، على أن القذافي كان قد استثمر كثيراً في قطاعي النقل ودعم المنتجات الأساسية والقطاع الزراعي.

وتتساءل المؤلفة: من هو معمّر القذافي حقيقة؟

وتجيب على ذلك بأسلوب شرح وتوضيح موسعين، إذ تبين سيرة حياته، حيث إنه في عام 1993 حصل معمر القذافي على شهادة الدراسة الثانوية، قسم الفلسفة، وكان قراره هو الانخراط في المدرسة العسكرية ـ الأكاديمية العسكرية ـ في مدينة بنغازي. وبالتوازي مع دراساته العسكرية، قام بتحضير شهادة جامعية في حقل التاريخ، وأطروحته هي عن الاستراتيجية العسكرية.

وهناك التقى عدداً من أولئك الذين ظلّوا أصدقاءه المقرّبين، إلى أن أقصاهم، بوسائل مختلفة، عن دوائر السلطة. وتذكر المؤلفة أسماء العديد منهم، مثل : عبد السلام جلود وعبد المنعم الهوني وعمر المحيشي.

ولم يتأخّر معمر القذافي في تشكيل خلية، داخل الكلية العسكرية، ضمت 70 ضابطاً شاباً، تحت تسمية الضباط الوحدويين الأحرار، أي على غرار التسمية التي كان أطلقها جمال عبد الناصر على الضباط الأحرار. وتلك المجموعة، هي التي قامت فيما بعد، بالانقلاب العسكري، في مطلع شهر سبتمبر، من عام 1969.وعرف القذافي كيف يجمع حوله عدداً مهماً من الضباط.

وشغل 11 منهم، كانوا الأكثر قرباً من القائد، المناصب الحساسة في مختلف الثكنات العسكرية، إذ جمعوا حولهم العديد من الضباط والجنود،.و كذلك أقامت منظمة القذافي علاقات مع الكثير من الشخصيات المدنية التي جرى اختيارها بدقة كبيرة، وعلى أساس معايير صارمة.كما أن أعضاء الحركة أنفسهم، خضعوا لنظام صارم، مع التأكيد على الزهد وإقامة جميع الصلوات.

وكان من الممنوع على الأعضاء، تعاطي المشروبات أو التدخين بحضور القذافي. وكذلك كان ينبغي على المسؤولين، تقديم كل ما يتقاضون من أموال للثورة. وفي مثل ذلك السياق، وصل القذافي إلى السلطة، وكان عمره آنذاك 27 سنة فقط. ومن الملاحظ أن المؤلفة تؤكّد في كتابتها لسيرة حياة القذافي، على القول بإصرار، إنه كان متأثراً جداً بشخصية الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

وكانت عملية عدم مشاركة ليبيا إلى جانب مصر، في حرب يونيو عام 1967، أحد أسباب زيادة النقمة في الجيش الليبي ضد الملك إدريس السنوسي. ولم يكن ذلك بعيداً عن اتخاذ القذافي وأنصاره، القرار بتنفيذ انقلابهم العسكري.

وعندما ظهر القائد الليبي الجديد، بعد تنفيذ الانقلاب، رأى العالم شاباً طويلاً ومخيفاً، يشبه أبناء جنوب إيطاليا. وتشير المؤلفة إلى أن الإنجليز الذين كانوا في ليبيا، وكافة المولعين بالمقارنات السينمائية، شبهوه بالممثل الأميركي غريغوري بيك. فكان برنامجه «عامّاً جداً»، وذا «نكهة ناصرية، مع مشروع إحياء الأمّة العربية».

ولكن كان مشروعه للمجتمع مجهولاً، وربما أنه لم يكن هو يعرف ما يريده. وفي المحصلة، تقدم هيلين برافان سيرة حياة معمّر القذافي، بعد فترة قليلة من رحيله، إثر انتفاضة استمرت أشهراً طويلة، حبس فيها العالم أنفاسه، أمام ما شهدته من عنف.

ولكن هذا الكتاب يتجاوز في واقع الأمر، مجرّد سيرة رجل، ليشكل مساهمة حقيقية في كتابة تاريخ بلاد ذات تركيب معقّد، وغير معروفة إلا قليلاً من العالم الخارجي.

 

 

 

 

الكتاب: القذافي حياة وموت ديكتاتور

تأليف: هيلين برافان

الناشر: بوران باريس 2012

الصفحات: 248 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

 

Kadhafi, vie et mort dصun dictateur

Hélène Bravin

Bourin - Paris- 2012

248 .p

Email