يستهل كتاب "يهود لكن مصريون"، لمؤلفه سليمان الحكيم، محاور بحثه في الموضوع المطروق، باستعراض عدة قضايا ومحطات في التاريخ الحديث، مركزا، بداية، على ظهور إسرائيل كدولة على بوابة مصر الشرقية، لتجمع اليهود من مختلف بقاع العالم، ومن ثم اتجهت الأنظار إلى اليهود المصريين، دون غيرهم من يهود العالم، لترى ماذا هم فاعلون، فهل سيغلبون يهوديتهم على مصريتهم أم العكس؟
وهل هم مصريون، ولكن يهود .. أم يهود، ولكن مصريون ؟ وجاءت الإجابة مختلفة. فالبعض منهم كان (مصريا، ولكن يهوديا)، والآخرون كانوا (يهودا ولكنهم مصريون). ويتخصص الكتاب بالحديث عن الفريق الثاني، متناولا حياة الفنانين المصريين من اليهود، ومواقفهم السياسية من القضايا الوطنية،.
والتي كانت مطروحة على الساحة، ومدى تجاوبهم معها، سلبا وإيجابا، ونرى أن الغالبية منهم، كانت في الصفوف الأولى من الوطنيين، رافعين شعار: (مصر فوق الجميع.. وفوق كل دين أو عقيدة). وتمجيدا لدور هؤلاء وتخليدا لذكراهم، كانت هذه المقالات.
وهذا الكتاب الذي يجمعها. ويبين سليمان الحكيم، أنه وبينما كان يهود الغرب يعانون الاضطهاد والعنصرية، فإن اليهود المصريين كانوا يتمتعون بكثير من الامتيازات، خاصة في الحقبة الاستعمارية، حين اعتبرهم الإنجليز في عداد الأجانب الذين تسري عليهم الامتيازات الأجنبية في مصر. ولعله لا يخفى على أحد ما، مهما بلغ من السذاجة، الهدف الذي كان يرمي إليه الاستعمار الإنجليزي من وراء ذلك.
فقد أرادوا جعل أبناء الطائفة اليهودية في مصر ( رأس جسر ) لهم في المجتمع. وكذلك حاولوا أن يصنعوا منهم، حلقة اتصال، بينهم وبين المصريين، وقد استجاب للأسف، عدد كبير من أبناء الطائفة اليهودية لهذا الفخ الاستعماري، وقبلوا التعاون مع الاستعمار الإنجليزي على هذا الأساس.
بينما رفض عدد آخر من المواطنين اليهود، إلا أن يظلوا على مصريتهم، ضاربين عرض الحائط، بكل الإغراءات التي قدمت لهم ثمنا للعب هذا الدور الرخيص . ولأن المصريين كانوا اكثر شعوب العالم سماحة، فقد ظلت مصر، قبلة اليهود، من جميع أنحاء العالم، باعتبارها أرضا مقدسة.
ولهذا شهدت معظم فترات التاريخ، موجات من الهجرة اليهودية، من مختلف بلاد العالم، خاصة أوروبا، إلى المدن، بل إلى القرى المصرية .وحين جاءت الحقبة العثمانية، بلغت موجات الهجرة اليهودية إلى مصر، ذروتها، وبشكل بارز أثناء الحرب بين تركيا واليونان .
ويلفت المؤلف إلى ان محمد علي شجع استقرار الجاليات اليهودية في مصر، فوفد إليها عدد كبير من يهود أوروبا، حين وجدوا فيها مناخا ملائما للعيش والاستقرار. وبعد أن يستفيض المؤلف في شرح جوانب إسهام هذه الفئة من المجتمع المصري، في مجالات السياسة والاقتصاد، ينتقل إلى الحديث عن حقل الفن، مبينا ان اليهود المصريين شاركوا بقوة وبروز في الفن المصري، وقد شهدت البدايات الأولى لأي نشاط فني في مصر، مشاركة مؤكدة التأثير من أحد اليهود المصريين.
فكان يعقوب صنوع أبا المسرح المصري بلا منازع، كما كان واحدا من جيل الرواد في الصحافة. ويرجع إليه الفضل في إدخال فن الكاريكاتير السياسي ضمن الصحف المصرية. وكان يلقب نفسه بموليير مصر.
وأما في السينما، فقد كان توجو مزراحي، واحدا من جيل الرواد، حين أسهم في صناعة السينما، فكان واحدا من الذين يؤرخ بهم لبدايات السينما في مصر . ويوضح الحكيم ان الساحة الفنية المصرية، شهدت بروز أسماء لامعة لبعض الشخصيات اليهودية المصرية، مثل داوود حسني وزكي مراد وليلى مراد ومنير مراد وراقية إبراهيم ونجوى سالم وإلياس مؤدب وكاميليا ونجمة إبراهيم.
وغيرهم الكثير من الذين حفل بهم سجل الفن المصري، من سينما ومسرح وموسيقى وغناء. وعلى الرغم من هذا التسامح الواضح الذي استقبل به المصريون فنانيهم من أبناء الطائفة اليهودية، فإن بعضهم ضاق به هذا التسامح، واختار أن يكون إسرائيليا، بعد أن نزع عن نفسه رداء المصرية الذي كان يتقمصه، منذ مولده على أرض مصر. وكذا نجد راقية إبراهيم، نجمة السينما، تهاجر إلى أميركا، لتعمل ضمن الوفد الإسرائيلي في الأمم المتحدة.
الكتاب: يهود لكن مصريون
تأليف: سليمان الحكيم
الناشر: كتاب الجمهورية القاهرة 2012
الصفحات: 110 صفحات
القطع: الكبير
