لا تزال طريّة في أذهان العالم، تلك الصور الرهيبة التي عرضتها شاشات التلفزة جميعها، لذلك الزلزال الأرضي. وما أعقبه من اجتياح مياه البحر لمساحة كبيرة من الشواطئ اليابانية، وأيضا تلك اللحظات الحرجة التي عاشها الجميع، بسبب الخوف من انفجار المفاعلات النووية الموجودة في منطقة فوكوشيما.
وبعد أيام قليلة من ذلك الزلزال، والذي بلغت قوته 9 درجات، حسب مقياس ريختر، توجّه الروائي والكاتب والمصور والشاعر الأميركي وليام ت. فولمان، إلى اليابان، ليقدم فيما بعد، ما رآه وعاينه عن قرب، من خراب وتدمير، في كتاب صغير يحمل عنوان: "داخل المنطقة المحظورة".
يعود المؤلف في كتابه، إلى تاريخ ال 11 من شهر مارس في عام 2011، وتحديدا إلى بداية فترة ما بعد ظهر ذلك اليوم، عندما بدأت المصابيح الكهربائية والكؤوس والأدوات المختلفة "تتراقص". إذ كانت بداية زلزال أرضي عنيف، ولم يتأخر أخصائيو الهزّات الأرضية، في قرع ناقوس الخطر بالنسبة للشواطئ الشرقية من اليابان.
لكن، وبعد فترة قصيرة تعدّ بالثواني، كانت موجات "تسونامي"، تجتاح تلك الشواطئ وتدمّر في طريقها كل شيء. إلا ان مصدر الخطر الأكبر، كان يتعلق بما ستؤول إليه المفاعلات النووية في فوكوشيما، والتي كان المسؤولون عنها قد فقدوا تماما، السيطرة على آلية عملها. وملأ ذلك قلوب الجميع بالخوف من كارثة نووية، ارتسمت ملامحها آنذاك، في الأفق القريب، وخاصة بعد انفجار أحد تلك المفاعلات. وما يتفق عليه الجميع، هو أن تكرار كارثة "تشيرنوبيل" بدا ممكنا.
ويشير المؤلف الى أنه اقترب، إلى مسافة عدة عشرات من الكيلومترات فقط، من مفاعلات فوكوشيما، وتحديدا إلى المنطقة الملوثة بالإشعاعات النووية، إذ كان قد جرى إجلاء قاطنيها بعيدا عنها، على عجل، غداة الكارثة الطبيعية. ولم يكن وليام ت. فولمان، يرتدي أية أقنعة، كما يشير، إذ استطاع التحدث إلى قلّة من الذين نجوا من الموت، ومن أكبر كابوس عاشته الأمة اليابانية، منذ قصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي، بالقنابل الذرية الأميركية، إذ انتهت الحرب العالمية الثانية، بإعلان استسلام اليابان.
وينقل المؤلف عن سيدة عجوز، من مواليد العام 1933، ما قالته له، ومفاده: "في ذلك اليوم كنت في الحديقة عندما حدثت الهزة الأرضية. ودخلت عندها إلى المنزل، ولم تكن هناك خسائر كبيرة، ولا شيء سوى بعض الكؤوس المحطمة.
ثم سمعت الإنذار باقتراب تسونامي، عبر مكبّرات الصوت، من قبل أحد رجال الإطفاء. ولم أكن أستطيع الجري، كما الحال بالنسبة للآخرين. رأيت الموجة .. كانت منخفضة، ثم رأيت موجة ضخمة أخرى، تصل وراءها. أخذت بالجري نحو مكان مرتفع، ولو أنني أخذت الطريق العريض لكان مصيري الغرق. . شاهدت خلفي منزل الجيران وهو يطفو على سطح المياه الزاحفة".
ويروي المؤلف كيف اقترب إلى المنطقة المحظورة، ثم دخلها ووصل إلى مسافة تبعد 20 كيلومترا فقط، من المفاعلات النووية المهددة. ويوضح أنه لم يكن الوصول إلى تلك المنطقة سهلا. ويتابع: " دخل إلى المنطقة المحظورة من (البوابة الرئيسية) للمراقبة، برفقة آخرين، وبعد اجتياز البوابة بمسافة قليلة، اقترب منهم راكب دراجة. وقال لهم: (إذا لم تكن لديكم أسباب مقنعة، لن أسمح لكم بمتابعة الطريق". وكانت الحجة أن هناك أخا في الداخل. والسؤال كان يلح: هل هناك طريق آخر؟ وهكذا كان الدخول على مراحل صغيرة".
وفجأة اكتشف المؤلف، كما يقول، أحد السكان "الحقيقيين"، ويوحي مظهره بأنه كان عاملا، وفي حوالي الخمسين من العمر. وكان يلبس قناعا وقفّازا. ومن ما قاله: "هذه هي المنطقة حيث يبقى على البشر داخل منازلهم. هذه منطقتي. سنرحل قريبا. وعلينا أن نترك هرّا في الداخل، ما يثير حزننا إذ لا نستطيع تركه يخرج. أنا رئيس رجال الإطفاء هنا، وأتحقق كل يوم من مستوى الإشعاع في بلدية القرية، وقريبا، ينبغي على الجميع الرحيل".
وسار الصحافي- المؤلف، هو وسائق سيارة الأجرة الذي يصحبه، مسافات طويلة بدت مهجورة تماما. وكل مرة كان يلمح فيها بشرا، لم يكن يتردد في الترجل والحديث معهم. وهكذا فعل، وعندما شاهد رجلا وامرأة يخرجان فيما بينهما، بأقنعتهما الورقية ويخفثان الخطى، نحو سيارتهما. وحاول توجيه الكلام لهما، ولكن الإجابة الوحيدة المتكررة كانت: "لا وقت لدينا، لا وقت لدينا، لا وقت لدينا". ومن ثم دخلا السيارة دون أن ينحنيا، وذلك كما تقتضي آداب اللياقة في اليابان.
هذا كتاب عن الحياة اليومية في اليابان، خلال الفترة التي أعقبت مباشرة الزلزال وموجات "تسونامي" التي أعقبته في شهر مارس من عام 2011، وصور مأخوذة من أكثر المدن والقرى تعرّضا للخسائر والخراب والدمار.
وشهادات حية من قبل عدد من اليابانيين الذين قابلهم، أثناء وجوده في المنطقة المحظورة. والجميع تذكر في الكارثة الجديدة، ما كان قد جرى في هيروشيما وناغازاكي، في عام 1945.
ولكن هذه المرة، مع مسحة من التفاؤل. ومثل تلك المرأة التي طرح عليها المؤلف السؤال التالي: "هل ستكون حياتك أكثر سوءا؟ وكانت الإجابة بالتأكيد، ستكون أفضل..وأضاف متسائلا: لماذا؟.. فأردفت: "لا أعرف لماذا، لكن الحياة اليومية الجديدة ستخلق معنى آخر للقيم. وإذا لم يفكر الأمر بهذه الطريقة، لن يستطيع التقدم".
الكتاب: داخل المنطقة المحظورة
تأليف: وليام ت. فولمان
الناشر: بيلنير نيويورك 2011
الصفحات: 76 صفحة
القطع: المتوسط
Into the forbidden zone
William T. Vollmann
Bylner- New York 2011
76 .p
