يعبر كتاب «المرأة في الفكر العربي الحديث»، لمؤلفه د.أحمد محمد سالم، عن قضايا المجتمع العربي الحديث، المتنوعة. ويتناول المؤلف، جذر هذه القضايا التي تتعلق بالمرأة، من خلال التحليل الفكري، وتناول الأفكار العامة التي تنطلق وتصب في خانة المسائل التي تهمها وتعنيها المرأة.
اعتمد المؤلف على ملاحقة المعارك الفكرية حول موضوع المرأة، خلال الفترة (1850-1950م)، باعتبارها من أهم المعارك الفكرية، في مرحلة تطلع العالم العربي فيها، إلى تجاوز قرون سبقت من التخلف، بينما بدأت أوروبا في تسيد العالم.
ويوضح الدكتور أحمد محمد سالم، انه لعلنا في بداية العقد الثاني من القرن الـ 21 م، نعاني من بعض الأعراف الاجتماعية والسلوكيات الفردية التي تعبر عن الظلم الاجتماعي للمرأة. وهذا على الرغم من فاعلية المرأة في عدد من البلدان العربية، بشكل كبير.
ويركز المؤلف على الإجابة، في هذا الخصوص، عن 3 أسئلة: هل نهضة المرأة العربية تتحقق باتباع النموذج الغربي أم النموذج الاسلامي؟ ما دور الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في معالجة قضية المرأة؟
ما حجم الخلاف بين التوجهات الفكرية حول حقوق المرأة، وقضايا الأحوال الشخصية وغيرها؟
ويبدأ الكتاب، بالتساؤل في هذا الشأن، حول أسباب تدني وضعية المرأة: هل هو جمود فكري أم سياسي ؟ أم أن السبب العادات واستبداد الرجل؟
ويشير سالم، إلى ان تلك الرؤى كانت موضوع المعارك الفكرية. وكان رفاعة الطهطاوي، أول من اثار قضايا المرأة، حيث عبر عن رفضه لقلة العفة عند الكثيرات من النساء الأوروبيات، على العكس من المرأة العربية، وذلك في كتابه «المرشد الأمي»". ثم دعا إلى الأخذ بالرؤية السلفية التي ترتكز على القوامة، وحجاب المرأة، وضرورة طاعة المرأة للرجل.
ويذكر المؤلف انه في عام 1889م، كتب الشيخ حمزة فتح الله، كتابه «باكورة الكلام على حقوق النساء في الإسلام». وأوضح فيه، أن الإسلام كرم المرأة منذ قرون، بينما المرأة الأوروبية نالت بعض الحقوق في القرن الـ19 فقط.
ومن ثم تبعه قاسم أمين، بكتابه «المصريون» عام 1894م، للرد على بعض اتهامات الدوق دراكور الذي هاجم الإسلام، من خلال أحوال المرأة، فكان رد أمين الدفاع عن الحجاب، وتعدد الزوجات، وأبرز حقوق المرأة، (وان كتب قاسم أمين فيما بعد حول القضية نفسها برؤية أكثر تحررا، نحو حقوق المرأة في التعليم والعمل وغيرهما).
وقد أثـار كتاب قاسم أمين، ضجة كبيرة، ربما أعنف هجوم عليه فيها، كان من الاقتصادي طلعت حرب، الذي شكك في أن قاسم أمين ألف الكتاب أصلا، ملمحا إلى انه نقله عن الكتاب التركي «الرسالة الأصمعية». كما اتهمه بأنه يخدم أغراض الإفرنج.
ويطلعنا أحمد محمد سالم، على حقيقة انه كان رد ورأي محمد فريد وجدي، المعارض لقاسم أمين، بكتاب بعنوان «المرأة المسلمة»، حيث طالب فيه، بعدم اتباع الغرب، لاختلاف الأصول بيننا وبينهم؛ هو موقف الشيخ رشيد رضا، نفسه.
وفي المقابل، كتب منصور فهمي، في رسالة الدكتوراه التي سجلها في السوربون، في فرنسا: «أحوال المرأة في الإسلام»، موضحا أن المرأة في فترة الجاهلية كانت أفضل حالا، وقد تأثر بمقولات المشرف، الذي هو تلميذ اوغست كانت، الذي له موقف معارض من الفكر الديني عموما.
ويوضح المؤلف أنه بدأت تتجلى تأثيرات الحوارات المختلفة حول المرأة، بعد أن انعكس ذلك على «الحركة النسائية». ويمكن القول إن النساء اللواتي شكلن رموز الحركة النسائية في البدايات، رفضن تقليد الحضارة الغربية في مسألة المرأة. ويعرفنا المؤلف بعدها، على تجربة هدى شعراوي، التي كانت نموذجا ايجابيا للمرأة، منذ ثورة 1919 وما بعدها، بل ومثلت البلاد في المؤتمرات بفرنسا.
ومن ثم ناضلت كثيرا، إلى ان تشكل أول اتحاد نسائي (عام 1923م)، وكان من اهدافه: رفع مستوى المرأة الأدبي والخلقي، المطالبة بإعطاء الطالبات حق الالتحاق بالمدارس العليا، إصلاح العادات فيما يتعلق بطلب الزواج، المطالبة بجعل سن الزواج للفتاة 16عاما، تشجيع الفضيلة ومحاربة الرذيلة.
وهكذا تسارعت الحوارات والأحداث والتفاعلات، حتى أصبحت قضية المرأة من مقومات ومفاصل الحوار السياسي، بين التيارات المختلفة، ومن أمثلة ذلك، تركزها كمنطلق نقاش حاد بين الليبراليين والسلفيين. وقد قال الليبرالي الطاهر الحداد، في هذا الصدد، إن الإسلام بريء من تهمة تعطيل الإصلاح.
ولم تنقطع جهود التيار السلفي، بما كان من ردود تجاه آراء قاسم أمين، من قبل، بل تواصلت. فكان كتاب محمد الشال الذي انتقد فيه المرأة في الغرب.
الكتاب: المرأة في الفكر العربي الحديث
تأليف: د.أحمد محمد سالم
الناشر: هيئة الكتاب المصرية 2012
الصفحات: 307 صفحات
القطع: الكبير
