يوضح كتاب"إشكالية الدين والسياسة في تونس..أزمة مشروع التحديث وظهور حركة النهضة"، للباحث المغربي أبو اللوز عبد الحكيم، أن المجتمعات القديمة، عرفت علاقة متميزة بين الدين والسياسة. وذلك في ظل غياب أطر اعتبرت هذه العلاقة شرطًا أساسا لبناء النظام الاجتماعي في هذه المجتمعات، أسست لعلاقات التعاون والتضامن.
وخلقت مساقات للتواصل المعنوي والمادي، كشرط لازم لقيام حياة اجتماعية. يؤكد المؤلف أن إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة، لم تطرح، كإشكالية، على الوعي الإنساني، سوى في حقب محدودة من تاريخ المجتمعات، أي في فترات التناقض والتفاوت، بين قيم الدين وقيم المجتمع، وحتى في هذه الحالة فلا يمكن أن يحدث ذلك إلا في ظرفيات تاريخية خاصة، إذا كان الدين مفروضًا بالغزو.
أو إذا كان المجتمع قد تجاوز الفكرة الدينية القديمة، وطور نظامًا دينيًا جديدًا. كما أن المجتمعات غالبًا ما تعرف هذه الإشكالية، بطرق مختلفة باختلاف السياقات، ما فرض أيضًا، اختلاف الحلول التي اقترحها الوعي الفكري.
ويوضح أبو اللوز عبد الحكيم، في كتابه، تاريخ حركة النهضة الإسلامية، مبينًا أن خطابها كان في البداية ملتزما بمقولات وأفكار جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي أقسم قادة الحركة على الاعتزاز بها والولاء لها في البداية، وكان الشيخ راشد الغنوشي قد تأثر بأفكار جماعة الإخوان خلال فترة إقامته المبكرة في مصر.
ومن ثم في سوريا، خلال فترة الجمهورية العربية المتحدة، وفي تلك الفترة تأثر أيضًا بأفكار وتجربة الزعيم جمال عبد الناصر، ولم يجد تناقضا حادا بين عبد الناصر والأفكار الإسلامية. وكان الغنوشى في شبابه ناصريا بعثيا اشتراكيا، وبعد دراسته الإسلامية في فرنسا، عاد مؤمنًا بضرورة الانطلاق من خطاب إسلامي معتدل، وفي 1981 أعلن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة السماح بإنشاء أحزاب سياسية،.
وهو ما دفع الحركة الإسلامية التي كان يتبناها الغنوشي، إلى التحضير للدخول إلى العمل السياسي بإعلان خطاب نوايا عن رؤية الحركة للديمقراطية والجهاد والموقف من الآخر. وعلى الرغم من مواجهة السلطة القمعية لتلك الحركة.
فقد استمرت وتوسعت وامتدت في كافة أنحاء تونس، مطالبة باحترام الأخلاق الإسلامية ومقاومة التغريب. وفيما بعد شهدت علاقات الحركة بالسلطة نوعا من التوافق مع قدوم زين العابدين بن الى الحكم، وإعلانه الرغبة في إجراء إصلاحات سياسية، وحاولت الحركة العمل بشكل قانوني، إلا أن السلطة رفضت بعد ذلك، الاعتراف ب"النهضة" كحزب سياسي .
كما يرى الباحث أن حركة النهضة التونسية، سجلت عام 1984 قطيعة مع المرجعية الإخوانية ومفاهيم الثورة الإيرانية، لتصل إلى حالة من التكيف مع الخصوصيات المحلية. ويؤكد أن الحركة لديها استعداد للتوافق مع الواقع السياسي، والتكيف مع الحياة الديمقراطية، فضلًا عن العمل وفق نظريات وأطر المجتمع المدني.ويشرح المؤلف الملامح الأساس لخطاب راشد الغنوشي، محللًا ومدققًا.
حيث يوضح أن الغنوشي يتحدث عن توسيع الدوائر القومية، معتبرًا الدائرة الأولى هي دائرة الإسلام، وهي دائرة عقائدية وحضارية ونضالية، وفي ذلك يقرر أن المجتمع الإسلامي مجتمع تعددي، اعترف بحق المواطنة للمسلم واليهودي والمسيحي، ولم يستثنِ عنصرًا من العناصر المكونة للمجتمع من حق المواطنة. وأما الدائرة الثانية فهي دائرة العروبة. وفيها يُقرر أنه لا ينبغي أن يتصور أحد، أن هناك عداءً بين الإسلام والقومية، وأن القومية العربية رباط أساس يسهم في تقوية الكيانات السياسية.
الكتاب: إشكالية الدين والسياسة في تونس أزمة مشروع التحديث وظهور حركة النهضة
تأليف: أبو اللوز عبد الحكيم
الناشر: دار رؤية
للنشر والتوزيع القاهرة 2011
الصفحات: 414 صفحة
القطع: المتوسط
