ويشير أحمد عبدالكريم، في فصول كتابه، إلى ان الفنون البصرية في الحضارة الإسلامية، تتميز بطابع الزخرف الهندسي، والذي تتحكم فيه القوانين الرياضية والأسس الهندسية التي تحقق مجموعة من القيم الجمالية، ومنها: "النظم الإيقاعية".
ويؤكد المؤلف أن تلك الإيقاعية في الفن الإسلامي الهندسي، تحققت من خلال تصميمات تشتمل على مفردات هندسية في سلسلة من العلاقات البسيطة والمركبة، مثل: التماس، التراكب، التضافر، التبادل. وينشأ عنها نمط ارتباطات إيحائية عن الحركة التقديرية للعين، وتلك الحركة لها صفة الاستمرارية لإدراك البصر، لتلك التصميمات. وهو ما أعطى الفن الإسلامي، طابعاً مميزاً.
وينتقل المؤلف إلى إيضاح نقطة كيفية تحديد المتخصصين للعوامل التي ساعدت على ظهور الفن الإسلامي، بكل ملامحه وخصائصه، ويجملها في جملة نقاط تفصيلية، مبيناً في شأن أولها، وهو العامل الديني، انه قيل ان الدين والفن توأمان منذ بدء الخليقة، إلا أن هذا الرأي لا ينطبق على الفن الإسلامي. فالمساجد تعد من أهم مظاهر العمارة الإسلامية، إلا أنها تختلف عن المعابد، كما عند المصريين القدماء، ومع ذلك كان للدين الإسلامي أثره في توجيه الفنون الإسلامية.
ويشرح المؤلف انه، لم تؤد العوامل والركائز العديدة، إلى الفتور في تشجيع الفنون، أو إلى قلة الإنتاج، بل أفرز طابعاً وأسلوباً إسلامياً خاصاً. ويؤكد عبدالكريم حقيقة انه تعتبر الأشكال الفنية الهندسية التي ابتدعها الفنان والمهندس المسلم، أحد أنواع التجريد.
ويتحول المؤلف إلى الحديث عن، العوامل الثقافية، مبيناً انه نتج عن الفتوحات الإسلامية، امتزاج عناصر ثقافية غير إسلامية مع تلك القادمة مع وبفعل فتوحات الإسلام، مثل: الفارسية والهندية وثقافة شمال أفريقيا. والثقافة الهلينسية التي عرفها المسلمون عن طريق الترجمة.
وهو ما أفرز ذخيرة ثقافية جديدة تم صبغها بالصبغة الإسلامية. وانعكس ذلك في نمط ترجمة مفردات العلوم، وتجسيد رؤاها في المنهج التجريبي بالعلوم، وهو مثل ما أنتجه الحسن بن الهيثم في علم الضوء، وابتكار رقم (الصفر) في علوم الرياضيات. ومن ثم استفاد الفنان والمهندس المسلم، في هذا الخصوص، عبر التسلح بفهم أساسي حول وجود قواعد أساسية في بناء الأشكال الهندسية، وانسحاب ذلك على مستويات وأشكال الفنون.
ويفسر عبدالكريم، كيف تمكن الفنان، في الحضارة الإسلامية، وضمن مساقات الفن الإسلامي الهندسي (موضوع الكتاب)، من إتقان نماذج وأساليب معالجة السطوح المختلفة بأشكال هندسية، تتواءم مع طبيعة السطح الذي تشغله، مثل: معالجة أسطح القباب والأبواب الخشبية.
ويلفت المؤلف، إلى انه بمقدورنا أن نوجز تاريخ الفن الإسلامي الهندسي، بأنه تأثر بفنون الحضارات السابقة عليه، بداية من فنون آسيا الغربية، وهكذا، وبمرور السنوات، اكتسب ملامحه الخاصة المتميزة. فقد كانت الزخارف الهندسية معروفة في الفنون الرومانية، ثم تطورت وتزودت برؤى وتأثيرات الخيال بالإبداع، وهو ما عمل به الفنان الإسلامي فيما بعد (أي الخيال).
ويشرح عبدالكريم، حقيقة مهمة بهذا الصدد، يبين معها انه كان اختيار الأمويين لدمشق عاصمة للخلافة الأموية، سبباً في قيام الفن الإسلامي، ومن ثم ظهور الطراز الأموي، كأول مدارس الفن الإسلامي. وفيه تم استخدام أشكال معمارية هندسية ونباتية والحيوانية الواقعية، كزخارف للمسجد الأموي بدمشق، وأيضاً لقبة الصخرة بفلسطين.
وعن ماهية الفن الإسلامي وتطوره، خلال فترة الدولة العباسية، يوضح المؤلف انه مر الفن الإسلامي بثلاث مراحل، سميت "سمراء الأول والثاني والثالث". ففي السمراء الأول والثاني، استخدمت الأشكال الهندسية في تحديد نوعيات الزخارف، كإطار فقط.
كما لا يفوت المؤلف، ذكر واقع أن سند بن علي، ظل يدرس كتاب "المجسطى" لثلاث سنوات، ومنه استطاع أن يصل إلى أشكال جديدة لما هي في الكتاب، ومن ثم ذهب إلى مجالس المهندسين والمتخصصين بالحساب في دار الحكمة، وعندما اطمأنوا إلى ما قدمه من جديد، ُسمح له بحضور مجلس المأمون، وهو ما يعد اعترافاً رسمياً بالجديد الذي ابتكره. ولعل أبرز ما توصل إليه الفنان المهندس في تلك الفترة، منجز تنوع التشكيلات الهندسية، عن طريق التشكيل بالطوب "الآجر".
ويعود عبدالكريم، إلى التأكيد على أن الفن الإسلامي خطا خطوات واسعة في عصر الدولة الفاطمية، وهو ما يرجع إلى الرواج الاقتصادي الذي كانت تشهده مصر، خلال تلك الفترة. فقد استطاع الفنان توظيف الوحدات الهندسية، على مختلف الأسطح لتجميلها، وأضاف إلى ما كان معروفاً في العصر العباسي، كما أكد الفنان شخصيته في الأعمال الفنية.
ويشير المؤلف إلى انه لم تتغير الأساليب الفنية في فترة الدولة الأيوبية، وهو ما تلاحظه في نماذج (شبابيك القلل وتابوت المشهد الحسيني في المتحف الإسلامي المصري. وغير ذلك الكثير. وأما بعد استيلاء المماليك على الحكم في مصر، وهو ما استتبع بهجرة الفنانين والصناع من العراق إلى مصر، بعد هجمات المغول. وأيضاً أصبحت مصر معبراً للتجارة من الغرب إلى الشرق وبالعكس، مما أدى إلى رواج اقتصادي بها.
ويؤكد عبدالكريم، ان كل تلك الركائز، شكلت أرضية صلبة لازدهار الحياة الفنية، ولظهور أساليب فنية جديدة، مثل: زخرفة الجدران بوحدات المقرنصات.. وكثرة استخدام الأطباق النجمية في تزيين المنابر والقباب (هذه الأشكال النجمية ظهرت في العصر الفاطمي، ولكنها راجت في العصر المملوكي).
الكتاب: النظم الإيقاعية في جماليات الفن الإسلامي
تأليف: الدكتور أحمد عبدالكريم
الناشر: هيئة الكتاب المصرية القاهرة 2012م
الصفحات: 225 صفحة
القطع: الكبير
