يبين كتاب «جهود القباني المسرحية في مصر»، لمؤلفه الدكتور سيد علي إسماعيل، أن جريدة الأهرام، أعلنت قدوم فرقة سورية يديرها الشيخ أبو خليل القباني الدمشقي، في الـ23 من شهر مايو عام 1884، وقد وصفته بالكاتب المشهور والشاعر المفلق، موضحة ان فرقته تتألف من: «مهرة في ضروب التمثيل وأساليبه، وبينهم زمرة من المنشدين المطربين، تروق لسماعهم الآذان وتنشرح الصدور». وتابعت الأهرام سردها في هذا الخصوص، مشيرة الى ان المكان: «قهوة الدانوب المعروفة بقهوة سليمان بك رحمي، صاحب التاريخ، والمكانة المرموقين في الإسكندرية».

ويعرفنا الدكتور سيد علي إسماعيل، في فصول كتابه على على حقيقة أنه عرض القباني مسرحية «أنس الجليس»، لتكون أوّل عرض لفرقته في مصر، ولا نملك دليلاً على نجاح هذا العرض، سوى ما نشرته جريدة الأهرام، واصفة سرور الجماهير الغفيرة، أنه بسبب «ما شهدوه من براعة المشخصين، وتفننهم في أساليب التمثيل، وراقهم حُسن الإلقاء، وتوقيع الأصوات، وبلاغة الموضوع».

ويشرح المؤلف أنه استوحى القباني مسرحيته هذه، من «حكاية الوزيرين»، المنشورة من الليلة الخامسة والأربعين إلى الحادية والخمسين، في كتاب ألف ليلة وليلة. كما يؤكد انه تحدّثت جريدة الأهرام عن نجاح عرض «نفح الربا»، وكذا عرض «أنس الجليس»؛ ولكن شتان ما بين النجاحين! فـ«أنس الجليس» عرضها القباني أكثر من أربعين مرّة، مقابل عرضه لـ«نفح الربا» أربع مرّات فقط في عامي 1884 و1889.

وينتقل الدكتور سيد علي إسماعيل، الى الحديث عن نقطة انه كانت جماهير الإسكندرية على موعد لمشاهدة عرض مسرحية «ناكر الجميل»، في الليلة الخامسة من ليالي الفرقة في مصر، ويرجح أنها أوّل مسرحية يقوم القباني بكتابتها، من غير الاعتماد على أصل تراثي معروف لها، وقد كتبها بأسلوب الأوبريت، أي مزيجاً من النثر والشعر، والأشعار المقتبسة تمثّل الحكم والنصائح والأمثال.

ويشير المؤلف إلى انه، عقب ذلك، اختتم القباني أسبوعه التمثيلي الأوّل في قهوة الدانوب بالإسكندرية، بعرض مسرحية «الخلّ الوفي»، وقد جمعت الرواية من كلّ فن مستطاب.

ست مسرحيات تراثية عربية، استطاع القباني تقديمها في مقهى الدانوب في أوّل أسبوع، منذ قدومه إلى مصر، وهي عبّرت عن التزامه بإظهار التراث في صوره المشرقة، وتمسكه بمفردات المسرحية، كما أبانت نجاحه في تحقيق هدفه، من خلال أدوات منهجه المستخدمة في التطبيق، مثل: نظم الشعر وتأليف الأغاني والألحان المتنوعة وتشكيلات رقص السماح وغيرها.

وعرض بعد ذلك على مسرح زيزينا مسرحية «الأمير محمود وزهر الرياض». وقد قام المطرب عبده الحامولي بالغناء بين الفصول، فتوافد الجمهور بشكل كبير، يتقدمهم محافظ الإسكندرية، ولفيف من كبار القوم وأعيانهم. وهكذا نجحت عروض القباني الخمسة:

أنس الجليس، عفة المحبين، مصباح وقوت الأرواح، الأمير محمود وزهر الرياض ، عنترة العبسي. انتهت شهور الصيف، وأصبحت الإسكندرية خاوية من زائريها. ولم يبق أمامه إلا الرحيل إلى القاهرة، فجاءها في منتصف أكتوبر عام 1884، واستأجر مسرح «البوليتياما». وبدأت عروضه المسرحية تتوالى مع إقبال جماهيري لا بأس به، وعرض مسرحيته:

«لباب الغرام، حمزة المحتل». وبعد ذلك عاد القباني إلى سوريا. وبعد أن أكمل استعداده، جاء القباني إلى الإسكندرية مرّة ثانية، في نوفمبر 1885، إذ بدأ التمثيل في مقهى الدانوب، وكانت بدايته الثانية ناجحة، حيث عرض مسرحيات:

«متريدات وعائدة، ومجنون ليلى، وديك الجن، وعاقبة الصيانة وغائلة الخيانة». وقد بدأت عروض القباني في الإسكندرية، وبدأ يستعد لاقتحام العاصمة مرّة أخرى، وقد وصلها في ديسمبر 1885، وبدأ عروضه التي لاقت نجاحاً كبيراً، ممّا أثار غيرة الآخرين، فقاموا بنشر مقالة هجومية ضد القباني وفرقته.

وتعدّ هذه المقالة أقدم قول منشور عن قصة منع القباني من التمثيل في سوريا، وحقيقة هذا الأمر، أن المنع كان بسبب تشبّه الرجال بالنساء في التمثيل، إذ إنّ فرقة القباني كانت خالية من العنصر النسائي، وقد نجحت المؤامرة، وابتعد القباني بفرقته إلى أقاليم مصر، طوال ثلاثة أشهر، ثم رحل إلى سوريا، ولم نقرأ عن نشاطه المسرحي في مصر طوال فترة الـ3 سنوات.

ويوضح الدكتور سيد علي إسماعيل، في الفصول اللاحقة لكتابه، أنه عاد القباني بعدها إلى مصر، في مايو 1889 بفرقة جديدة، تمثل الجديد في العروض والفصول المضحكة وألعاب السيف والترس، كما جاء بممثل خاص للفصول المضحكة هو «أبو الخير».

وعرضت الفرقة عروضها في مقهى الدانوب بالإسكندرية، ورحل إلى القاهرة، مستعيناً بجوقة المطربات، وجاءه خبر احتراق مسرحه بالقاهرة في الـ18 من مايو عام 1900. وتوقف نشاطه المسرحي إلى الأبد، ورغم ذلك لم تحترق رسالته المسرحية التي تبنتها الفرق المسرحية الأخرى بعد وفاته بعشرين سنة.

 

 

 

 

 

 

الكتاب: جهود القباني المسرحية في مصر

تأليف: د. سيد علي إسماعيل

الناشر: وزارة الثقافة الهيئة العامة للكتاب ــ دمشق 2011

الصفحات: 608 صفحات

القطع: المتوسط