عمل جويل برينكلي، أستاذ الصحافة في جامعة ستانفورد سنوات طويلة في العمل الصحافي المباشر، ووجد نفسه في خريف عام 1979، مكلّفا بتغطية سقوط النظام الدكتاتوري في كمبوديا بزعامة بول بوت وأزمة اللاجئين التي نجمت عن ذلك. وهو يكرّس كتابه الأخير لهذه البلاد تحت عنوان «لعنة كمبوديا»، إذ يتطرق فيه إلى موضوع التاريخ الحديث لهذه البلاد المضطربة. وذلك كما يدل عنوانه الفرعي.
إن المؤلف يبدأ بتقديم لمحة موجزة عن أهم الأحداث والمنعطفات التي عرفتها كمبوديا، منذ سقوط نظام (الخمير الحمر)، والذي قتل حوالي مليوني شخص من الكمبوديين، أي ما يعادل ثلث السكان. واليوم، وبعد فترة جيلين تقريبا، لا تزال هذه البلاد تعاني من آثار تلك الفترة المدمّرة. وهذا رغم ان منظمة الأمم المتحدة كانت قد اعتمدت في عام 1992، برنامجا متخصصا بإعادة تعمير البلاد.
ويعود المؤلف في معرض تقديمه لكتابه، إلى الحديث عن ذكريات لقائه الأول مع كمبوديا. وتلك الزيارة التي قام بها إلى أحد مخيمات اللاجئين بعد سقوط نظام بول بوت مباشرة. ويكتب عنهم: «بعد سنوات من الرعب والبؤس فقدت وجوههم كل تعبير». عاد جويل برينكلي إلى كمبوديا بعد 32 سنة من زيارته الأولى إليها، ليجد أن أشياء قليلة جدا تغيّرت منذ ذلك التاريخ.
هذا وكأن اللعنة القديمة لا تزال تضرب البلاد، وكأن المساعدات الدولية والدبلوماسية الدولية كلها غضّت بصرها عن واقع هذا الشعب الذي يعاني الألم. وكان ثلث السكان قد قضوا على يد الخمير الحمر، أثناء فترة حكم بول بوت.
وأغلبية الذين بقوا على قيد الحياة لم يكونوا يقتاتون سوى بالنذر اليسير، والذي لا يتجاوز حجم كأس من الأرز، ذلك مقابل 14 ساعة عمل يوميا. ولم يكن الأجر الذي يتقاضونه أكثر من عدة «غروو»، أي العملة المحلية الكمبودية. وكان يكفي أن تحوم حول أي شخص مجرد شكوك بسيطة بالتعاطف مع الفيتناميين، كي يكون جزاؤه القتل، دون أي تحقق من صحة تلك الشكوك.
إن كمبوديا اليوم هي أحد أكثر البلدان فقرا في العالم. ثم إنه لا يوجد بين بلدان جنوب آسيا، بلد أكثر منها فقرا سوى واحدة، وذلك على أساس دخل الفرد. ويؤكد المؤلف، بناءً على العديد من الإحصائيات الرسمية المحلية والدولية، أن هناك نسبة 30 في المئة على الأقل من الكمبوديين يعيشون بأقل من دولار واحد في اليوم.
وهناك نسبة 40 في المئة من الأطفال، يعانون سوء التغذية. وتدل إحصائات أخرى، على أنه في عام 2010 كانت هناك نسبة 30 في المئة من الأطفال الكمبوديين الذين في سن الدراسة، لم يكونوا مسجّلين بأية مؤسسة تعليمية. وأما الفساد والرشوة فهما ممارسة سائدة ومعممة على جميع المستويات في البلاد. وليس من الغريب أن يموت أي مريض بسبب عدم قدرته على دفع قيمة العلاج، أو لعجزه عن دفع قيمة العلاج، أو لعدم قدرته على دفع رشوة للطبيب في المستشفى.
وما يؤكده المؤلف هو أن الكمبوديين لا يزالون يعانون من ما يسمّيه «أعراض قلق ما بعد الصدمة المعممة». وتتم الإشارة بناءً على دراسة أجراها المحلل النفسي الكمبودي موني سوتارا، الى ان 47 في المئة من السكان يعانون من تلك الأعراض. وتشير دراسة أخرى الى أن هذه النسبة تصل إلى 60 في المئة، وصولا إلى هون سن نفسه، فالجميع أصبح مصابا بالجوع المزمن.
ولا يتردد المؤلف في تحميل الولايات المتحدة، مسؤولية جزء من اللعنة الكمبودية. ذلك أنهم لم يكونوا بعيدين تماما عن وصول الخمير الحمر إلى السلطة، ولو أنهم لم يقوموا بفرضهم على كمبوديا. ولكنهم كانو قريبين ومقرّبين من لون نول، الذي أطاح بحكم الأمير الكمبودي نوردوم سيهانوك.
وهنا أيضا يرى المؤلف أن أحد وجوه لعنة الكمبوديين هي أنهم مرغمون على العيش باستمرار في ظل أنظمة استبدادية. وذلك منذ فترة امبراطورية انغور. ويكتب المؤلف: «إن كمبوديا الحديثة، أكثر من أية دولة أخرى، هي نتاج عادات وممارسات منقوشة على الحجر، منذ ألف سنة».
ويبيّن المؤلف كيف أن الإدارات المتعاقبة على حكم كمبوديا، كانت بمثابة كارثة على قسم كبير من الكمبوديين. ويشرح أن رجال الأعمال جمعوا ثرواتهم بالتواطؤ مع الأجهزة الحاكمة في أغلب الأحيان. ثم لا يترددون بعد ذلك في الانخراط ببعض هيئات العمل الخيري. أو ربما يقومون بإنشاء مدارس في المناطق التي زاد فقرها بسبب فسادهم. ويقسم المؤلف الكمبوديين إلى فئتين عريضتين: فئة الضحايا، والذين يستحقون التعاطف معهم، وفئة من القساة الأنانيين (الساسة خاصة).
ويصل المؤلف من تحليلاته إلى أطروحة شاملة، مفادها أن ألف عام من التقاليد هي المسؤولة عن الوضع الحالي الصعب في كمبوديا، وليس حقائق القرن الحادي والعشرين، وعلى رأسها واقع أن الاستثمارات الخارجية تغذي الفساد الرسمي ولا تنهض بالشعب الكمبودي.
إن الصين وكوريا الجنوبية، ساهمتا في تقديم مليارات الدولارات لكمبوديا. لكن الحكومات المتعاقبة حرصت دائما على السيطرة على تلك الأموال. الكمبوديون يقبلون هذا الحال لأنهم يمثلون شعبا لا يستطيع ولا يعرف النهوض للدفاع عن نفسه.
الكتاب: لعنة كمبوديا
تأليف: جويل برينكلي
الناشر: بوبليك افير- نيويورك - 2011
الصفحات: 416 صفحة
القطع: المتوسط
Cambodias Curse
Joel Brinkley
Public Affairs- New York - 2011
416 .p
