يكشف كتاب «صندوقي الأســود»، للكاتب والفيلسوف المصري الراحل، أنيس منصور، مجموعة من الأسرار، والحكايات عن حياة وابداعات ومحطات منصور. ويوضح المؤلف أنه كما في كل طائرة صندوق أسود لتسجيل ما يدور بين طاقم الطائرة وبينهم وبيـــن المطـــار أو الطائرات المجاورة، فإن كل واحد له صندوق يسجل ما كان .

وما هو كائن وليس ما سيكون، ويبدأ رحلته الأخيرة من طريقه إلى المدرسة فيلاحظ أن رفاقه يتحدثون عما حدث لهم. أما هو فلا يشارك في أي حديث، ويبين انه في الفصل جعل منه المدرسون، تلميذاً مختلفاً. وحاولوا أن يجعلوا بقية التلاميذ مثله، ولكنهم لم يفلحوا، ما جعله وحده في ناحية دائماً مع كتاب أو كراسة في الفصل أو الفسحة، وبقية الطلبة في الناحية الأخرى. ويجيء ترتيبه الأول في كل السنوات الدراسية حتى يحس أنه أصبح عدو الطلبة.

وينتقل أنيس منصور ليطلعنا على واقع انه في البيت، لا أحد يسأل :ماذا فعل؟ فالأم لا تسأل وهو لا يتطوع بالكلام، والأب دائماً على سفر، فهو يعمل مفتشاً زراعياً في أرض عدلي باشا يكن بالصعيد، وعندما يصل من السفر تدخل السعادة في قلوب كل من في البيت، الأم والابن، وعندما يسأله الابن عن مستقبله يجيبه بكلمة واحدة:" بعدين .. بعدين...".

ويتحدث أنــيس منصور عن حفل مدرسي، حضره المدرسون والطلبة وآباؤهم، وعرض مدرس اللغة العربيـــة تجربة رآها في أميركا ونفذها في المدرسة، حيث طلب من التلاميذ أن يكتبوا في صفحة واحدة، عن ما حدث لهم في الشارع منذ خروجهم من البيت، وحتى وصولهم المدرسة، ثم حلل كتاباتهم، فهذا جاد وموضوعي، وهذا عاطفي، وهذا كاتب ساخر.. أما الطالب أنيس محمد منصور، فهو نوع نادر من البشر ذوي الحساسية الشديدة، ومن المحبين لأمهاتهم وأصحاب هذه القلوب الطيبة يعانون في حياتهم، وعيبهم الوحيد أنهم يمشون في الشارع مغمضي العينين لا يستوقفهم شيء أو أحد.

ويتطرق منصور للحديث عن ضعف مستوى نظافة وترتيب واساليب الكتّـاب، انذاك، وقسوة سيدنا، لكنه لا يــرى ذلك فكل شيء معقـــول وطبيعي ولا توجد أسباب لمقارنة الكتّاب والبيت والقرية، مع أي شيء آخر.

وعرفنا على كيفية بداية صراع عائلي حول مستقبله، فأبوه وشيـــخ الجامع يريان أن حافظ القرآن مكانه الطبيعــي في الأزهر الشريف، ولكن الأم تقرر أن لا يكمل دراسته بالأزهـــر، فهو لا بد أن يكون طبيباً أو مهندساً، مثل الكثيريـــن من أقاربها. وفي النهاية ينتصر رأي الأم التي لا تعرف القراءة والكتابة، لكنها تعرف كيف تنظر في الواقع وتحدد المستقبل.

ويبين أنيس منصور، رأيه حول السعادة، موضحاً أنها هي الاستقرار أو القرار الثابت الذي يؤيده الجميع، وهو ما لم يحدث معه، ويدهشه أن يرى أصدقاءه يناقشون آباءهم وأمهاتهم ويعارضونهم، لكنه لا يستطيع أن يفعل ذلك أبداً، فهو فقط يحني رقبته، ويوافق :"حاضر يا ماما". ولكنه يكرر ما يفعله.

ولأنه لا يجد علاقات أو مشاعر أو أصدقاء إلا الكتب، فمن الطبيعي أن لا يكون على لسانه إلا الأسئلة، فيصفه آباء زملائه بأنه مجنون أو فيلسوف، ولكنه يصف نفسه بالكلمة الدقيقة: "غريب"، إلا انه لا يسكت.

ويشير أنيس منصور، إلى انه حاول عدة مرات، أن يتحرر من مؤثرات طفولته وميسم أمه. فكتب جانباً من مذكراته ونشره، ثم كتب ثانية وأحرق، كما انه يبحث عن طفولته.

ويؤكد منصور، انه، ورغم دراسته الفلسفة، وكونه قرأ وتأمل، لكنه في أعماقه كان يرى أن ما تقوله أمه أقوى من اليقين، أما أبـــوه فلم يكــن معهم طوال الوقت، فكان غيابه نوعاً من الموت فلما اقترب مات نهائياً، لذا أصبح يعـــوض لقاءات أبيه بعد وفاته، بأن يحلـــم به يكلمـــه ويحاوره ويناقشـــه.

وفي النهاية يلخص أنيس منصور، كل علاقته بأمه، قائلاً: "ماتت أمي وكان موتها معنى لحياة أخرى، هي حياتي، فالموت شخصي لأنني أنا بعض الذي يموت .. الموت ليس نهاية، ماتت أمي .. كانت كل حياتي ولم أترك أحداً يعيش لي أو يموت بي أو من أجلي".

وتبدو التفاصيل متشعبة وموسعة في الكتاب، يصف فيها الراحل أنيس منصور، جملة حكايات واحداث في حياته.

وتتبدى السمة الأبرز في هذه الفصول ضمن الكتاب، أنها غير منتظمة أو مرتبة، بل إن الفقرات في الفصل الواحد تظهر أحياناً غير متتابعة، والفقرة ربما نجدها غير مفهومة، وتعطي الإيحاء بأنه ينقصها كلمة هنا أو هناك، بالإضافة إلى الكثير من الأخطاء المطبعية.

 

 

 

 

الكتاب: صندوقي الأسود

تأليف: أنيس منصور

الناشر: قطاع الثقافة ــ دار أخبار اليوم ــ مصر 2011

الصفحات: 175 صفحة

القطع: المتوسط