يناقش كتاب "من الرواية إلى الشاشة"، لمؤلفه ابراهيم العريس، موضوعة تحويل العلمل الروائي الى فيلم سينمائي، ومدى كون ذلك ناجحا بشكل دائم. ويشير المؤلف إلى أنّ كل أفلمة لنصّ أدبي، تعتبر في شكل أو في آخر، خيانة لهذا النصّ، ومعظم الأدباء يقفون موقفاً سلبياً عندما تؤخذ أعمالهم إلى السينما، والنموذج الأكثر شهرة على ذلك الكاتب الأميركي ستيفن كينغ الذي اعتبر أن المخرج المبدع ستانلي كوبريك، أساء إلى روايته " إشراق " حين أفلمها.

كما ان شكسبير يبدو وكأنّ الفن السينمائي اخترع من أجله، وهو لو رأى مسرحياته تتحول إلى سينما لأنكرها وبغضب . ويلفت العريس الى ان الأدب الإجرامي الذي يقوم على جريمة مطلوب التحقق فيها، وجد علاماته الأساسية في أدب ادغار آلان بو، وشرلوك هولمز . وغيرهما، قبل أن يصل إلى سام سباد وكابتن ميغري ومارلو .

ومن أفلام الخيال العلمي، رواية "رحلة إلى القمر"، لـ"جول فيرن" و"20 ألف فرسخ تحت الماء". وهنا يمكن الإشارة إلى فيلمين للألماني فريتز لانغ ، وهما "متروبوليس 1927 " الذي يعتبر من العلامات الأساسية لسينما الخيال العلمي، و" امرأة على القمر 1929 "، عن رواية كتبتها " ثيافون هاربو " .

وكما اكتشفت السينما باكراً، أدب جول فيرن، اكتشفت بسرعة أدب "هـ. ج. ويلز " فاقتبست منه أفلاماً، مثل " الرجل اللامرئي " و"أشياء آتية " و" جزيرة دكتور مورو "، وصولاً إلى " حرب العوالم "، وهي الرواية التي كان "أورسون ويلز " أثار رعب الأميركيين حين حولها أواسط الثلاثينات إلى تمثيلية إذاعية.

إنّ السينما التاريخية تنهل من وقائع حدثت بالفعل، ومن هنا، وفي أي حديث عن الأدب والسينما، لا بدّ أن يعطي حيّزا واسعا للسينما التاريخية ، مثل أفلام: " إيفان الرهيب " لإيزنشتاين أو " عناقيد الغضب " لجون فورد عن رواية " شتاينبك ".

ويؤكد ابراهيم العريس أن السينما التاريخية تحدثت حتى الآن، عن معظم الأحداث التي عرفها تاريخ البشرية، من حروب النار وأيضا " مليون عام قبل السيد المسيح "، وصولا إلى حروب الخليج، بحيث أن المتن الشامل للسينما التاريخية يكاد يكون تدويناً مصوراً لتاريخ البشرية ذاتها.

ومن بين كل الأنواع السينمائية، تبرز أفلام السيرة، وهو النوع الأكثر تطلباً للدقة والموضوعية، وبالتالي الأكثر إثارة للمشاكل، وإذا كان في عالم النشر ما يسمى عادة بـ " السيرة المأذونة "، وانطلاقاً من ذلك، صار في الإمكان القول إن سينما السيرة، هي بدورها، سينما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالكتاب .

ويسوق المؤلف عدة امثلة بهذا الصدد، تعتبر الأشهر في عالم سينما السيرة، علماً بأن هذا النوع بات يضم اليوم ألوف الأفلام التي أرخت بصرياً لحياة معظم السياسيين والفنانين والأدباء والمفكرين الذين عرفهم تاريخ البشرية، ويبن انه يجب ان لا ننسى الأفلام التي تناولت حياة الفنانين الذين أصبحوا نجوماً في عوالم الغناء السينما والرقص أو الموسيقى.

وينتقل العريس للحديث عن السينما المصرية، موضحا انها عرفت كيف تنهل من التراث الرائع والعريق للأدب الروائي والقصصي المصري، وثمة كتاب كتبوا مباشرة للسينما، كما فعل نجيب محفوظ، حين كتب " درب المهابيل " لتوفيق صالح، أو أمين غراب ، حين كتب "شباب امرأة " لصلاح أبو سيف، ثم حولها إلى رواية منشورة .

ويختار العريس التأكيد على حقيقة مهمة بهذا الشان، مفادها ان علاقة الأدب بالسينما في مصر، بدأت باكراً، في فيلم " ليلى" لعزيزة أمير. ونعرف أنّ كل أنواع الأدب المكتوب في مصر، عرفت طريقها إلى الشاشة، بما في ذلك النصوص الأكثر تجريبية، مثل: " مالك الحزين " لإبراهيم أصلان ، " سارق الفرح " عن قصة لخيري شلبي، التي أخرجها داود عبد السيد . أو حتى النصوص الأكثر جرأة سياسياً، مثل :"الكرنك "و" ميرامار " عن روايتين لنجيب محفوظ.

وإذا كان كل كتّاب القصة والرواية، حضروا في السينما المصرية، فإنه ليس في إمكاننا أن نقول الشيء ذاته عن بقية البلدان العربية، التي عرفت إنتاجاً سينمائياً، إذ في سورية ولبنان والمغرب وفلسطين والعراق وبلدان الخليج والجزائر، ثمة عشرات النصوص الأدبية التي لا تزال تنتظر من ينقلها إلى الشاشة الكبيرة، ففي سوريا مثلاً، حتى وإن كان بعض نصوص حنا مينه.

ونص أو أكثر لحيدر حيدر أو فيصل خرتش، صاحب " تراب الغرباء "، قد عرفت طريقها إلى الشاشة، فهناك أعمال كثيرة تنتظر أفلمة ما، ربما سيحين وقتها حين يتخفف السينمائيون السوريون من الأعباء الإيديولوجية والرغبة في جعل ذواتهم موضوعاً للأفلام.

 

 

 

الكتاب: من الرواية إلى الشاشة

تأليف: ابراهيم العريس

الناشر: وزارة الثقافة المؤسسة العامة للسينما دمشق 2011

الصفحات: 224 صفحة

القطع: المتوسط