يستهل كتاب "هجاء السلاح ..المقاومات كحروب أهلية، للباحث والصحافي اللبناني حازم صاغية، موضوعات فصوله وأبحاثه، بعبارتين محوريتين، تشكلان رؤى بحثه، الأولى لعمانوئيل كانط: "الحرب سيئة من حيث انها تخلق من الأشرار أكثر مما تزيل".

والثانية لموشيني، الشاعر الإيراني، والتي أستعارها الإيرانيون من احدى قصائده، واخذوا يرددونها في تظاهراتهم المعارضة للنظام، في يوم الجمعة الأخير من رمضان في عام 2009:"ارم بندقيتك.اكره هذه الآلة الدموية، كما في لبنان والقدس كذلك في شوارع طهران".

وعلى أرضية هذه التوطئة، ينطلق صاغية في عملية ولوج عولمه البحثية الرافضة لكل أشكال المقاومات العسكرية التي تؤسس لمواجهات عنفية ودموية، وحتى انه لا يستثني من انتقاده المقاومات السلمية، ويضرب مثلا على ذلك المقاومة الهندية ضد بريطانيا، والتي لم تحل رغم سلميتها، دون نشوب حرب اهلية شرسة، انتهت بتفتت الهند الكبرى إلى دولتي الهند وباكستان. ولكن صاغية يستدرك معلقا:"ان الانشقاق الطائفي المزمن والعميق، بين الهندوس والمسلمين، كان لينفجر بعنف أكبر بكثير من العنف، الكبير حقا، الذي شهدته حرب 1947، فيما لو كانت مقاومة الهنود للبريطانيين عنيفة ومسلحة، وفيما لو كان توافر السلاح في ايديهم معمما".

ويرفض صاغية المقولة التي تتذرع بها المقاومات، لتبرر شرعيتها وتصوب أهدافها، معتبرة ان ما تقوم به، يوحد الشعب في وجه عدو اجنبي . فالتجارب تدل على ان المقاومات ليست سوى تعبير عن نزاع أهلي محتدم. وانتصارها المزعوم لن يفضي إلى حياة سياسية مستقرة. ويبين صاغية ان هذا ما سيؤدي فعليا، إلى بروز احتمالين، أحلاهما مر.

ويقول صاغية هنا:"اما أن تحكم وينشأ الاستبداد، واما ألا تحكم وتندلع الحرب الأهلية" . ويوضح أنه في الحالة الأولى، يشكل التعويل على المقاومة، بوصفها شرعية لحياة مستقبلية، تأسيسا للاستبداد بحق جزء من الشعب، لم يأخذ بعين الاعتبار رأي الطرف المقاوم . وهذه الشرعية المزعومة، تطالب لنفسها بثمن باهظ للدم الذي دفعته، ذلك بعد أن حققت الانتصار المنشود، وغالبا ما يكون التعويض مضادا للطبيعة، ولا تقوى تركيبة البلد على منحهم اياه.

وفي الحالة الثانية، فإن نشوب حرب أهلية أمر متوقع، وذلك- طبقا لما يقوله المؤلف، متى كان الطرف المقاوم، أقل بلوغا لسوية الدولة الامة والوعي الذي يلازمها، تركزت الهوية في سمار وخانة تشكلها وانسجامها في وجهة تكون معها هوية جماعة بعينها، ومن ثم وصولا، وبمقتضيات تلك العلمية والمبادرة، الى حمل السلاح.. والذي مصيره ان يتحول، في ظل هذه التوجهات والاجواء، الى أن يكون أداة تنبيه الى تمايز الهويات داخل البلد الواحد، ومن ثم أداة احتراب أهلي.

ويرى صاغية أن امتداد المواجهة العنفية فترة زمنية طويلة، يضاعف من ضمور العنصر الفكري السياسي، وهذا ما يؤدي الى تغييب "ثقافة المقاومة ، وتحولها الى سلسلة أعمال انتهازية تجيز أحيانا، التعاون مع العدو الاصلي الغازي، والذي يفترض أنه علة وجود المقاومة.

وذلك سعيا إلى إنزال القهر بالطرف الداخلي الاخر. ولا ينكر المؤلف على الشعوب، حقها في مقاومة العدو المغتصب، لكنه يأخذ على المقاومين، شعورهم بالسعادة والغبطه والتهليل، وهم يواجهون بالسلاح والنار، غير ابهين بما يترتب على ذلك من ألم. فمن يضطر الى قتل مغتصبه لا يصور فعلته عملا مجيدا محبذا.. بل يصوره كاضطرار بشع أملاه سلوك بشع.

ويؤكد المؤلف ان التهرب من اتخاذ موقف ينطوي على لغة اعتذارية، نابع من وعي الجماعات المقاومة، ورغبتها في تعبئة الجمهور المقاوم. لان الاستقطاب والتعبئة يقصران الطريق "نحو تعبيد الشرعية الثورية والاستبدادية بعد تحقيق النصر .

وهنا يبين صاغية ان اقترب المقاومة من الامساك بزمام السلطة ، لا ينجم عن مؤهلات المقاومة نفسها، ولا عن طروحاتها الفكرية، بل يجد انه حصيلة التضافر بين عاملي الانقسام الاهلي في مجتمعها، واستشراس القمع الذي ينزله الخصم الاجنبي بالشعب، وذلك ردا على عملياتها، وهو ما يرى انه يدفع الشرائح المناصرة الى الالتفاف حولها، حماية لنفسها .

ويعرض في هذا الصدد، للتبعات التي تنتج عن المقاومات، على مستقبل الاوطان . فشراسة المقاومة، وطول أمدها، يعيقان النهوض الوطني ويجعلان عملية الرفاه والاستقرار بعيدة المنال . وفضلا عن ذلك فإن المقاومات في معظمها تشرع الابواب للتدخلات الاجنبية.

ولمناصرة فريق ضد فريق أخر. ان هذه النتائج ليست حكرا على المقاومات المسلحة، فالمقاومة الهندية ضد بريطانيا، رغم سلميتها، لم تحل دون نشوب حرب أهلية شرسة انتهت بتجزئة الهند الكبرى الى دولتي الهند وباكستان. وليس بالضرورة ان لا ترسو المقاومات المسلحة على شرعية سياسية ودستورية .

ويستشهد هنا بمقاومتي ايرلندا وفرنسا اللتين افتتح بنصريهما تأسيس تلك الشرعية، أو إعادة تأسيسها، كما يقول صاغية. ويرى المؤلف أن تستر النزاعات بجرعة ايديولوجية، وكذا انقسام الاطراف المتنازعة بين يمين ويسار، يوفر حصانة لمنع النزاعات الاهلية المسلحة، تلك التي توفرها النزاعات والانشقاقات الطائفية والدينية والإثنية، أو تمهد لها.

 

 

 

 

الكتاب: هجاء السلاح.. المقاومات كحروب أهلية مقنعة

تأليف: حازم صاغية

الناشر : دار الساقي- بيروت2011

الصفحات: 216 صفحة

القطع: الكبير