كانت الولايات المتحدة الأميركية، إحدى القوتين العظميين في العالم، إلى جانب الاتحاد السوفييتي السابق، عند نهاية الحرب العالمية الثانية. ثم أصبحت القوة العظمى الوحيدة في العالم، بعد انهيار جدار برلين، إذ حدث انهيار المنظومة الاشتراكية كلها. وشاعت الآراء حيال أميركا نفسها، في الآونة الأخيرة، بأنها في طور الانحدار.
تحاول الصحافية الفرنسية لويز كوفلير، المتخصصة بالشأن الأميركي، تقديم وجه جديد للولايات المتحدة، من خلال رسم المسار الذي عرفه 20 شابا أميركيا، يعملون في مختلف الميادين، بينهم المقاول والعسكري ورجل السياسة والصحافي ورجل المال والمناضل والمهندس وراعي الكنيسة والممثل.
ويعيش هؤلاء الشباب في مختلف المناطق الأميركية، فهم من كاليفورنيا أو تكساس أو نيويورك أو ميتشيغان أو فلوريدا أو غيرها. وأما أعمارهم فهي تتراوح بين الـ 20 والـ 40 سنة، كما انهم عاصروا، جميعهم، تفجيرات الـ 11 من سبتمبر 2001، وحربي أفغانستان والعراق وإعصار كاترينا وجورج وولكر بوش. كما عرفوا واختبروا الأزمة الاقتصادية المالية الأخيرة وصعود الصين وانتخاب باراك اوباما كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، كلّه.
وعنوان الكتاب هو «حكايات أميركية». وكانت مؤلفته، قطعت الولايات المتحدة من غربها إلى شرقها ومن شمالها إلى جنوبها، بحثا عن هؤلاء الشباب. وعاشت تفاصيل حياتهم اليومية. وهي تؤكد ان كلا منهم، يجسد حركة أكثر اتساعا، وتبدلا وقطيعة مع الماضي. ولكن، في الوقت نفسه، توضح مدى احتفاظهم بالقيم التي صنعت عظمة بلادهم، كما رددوا جميعهم ذلك دون استشفاء. ولا تتردد المؤلفة في القول ان سرد قصة حياتهم ورسم صورة لهم، يسمح بالغوص إلى أعماق أميركا التي تحاول أن ترفع رأسها، إنها أميركا التي تبدع وتجدد وتبحث لنفسها عن مستقبل جديد.
وترى المؤلفة أن هؤلاء الشباب سيغيرون أميركا. وأما نماذجهم فهي في غاية التنوع، مثل : سكوت لويس صاحب مطبوعة «صوت سان دييغو» الإلكترونية الثورية، جوليان كاسترو رئيس بلدية سان انطونيو التي تمثل سابع مدينة في الولايات المتحدة الأميركية (وهو من أصول مكسيكية)، فهؤلاء جميعا يمثلون الجيل الأميركي الجديد، من حملة مشروع التغيير الذي ينضج على مهل.
وما تؤكده المؤلفة هو أن أبناء هذا الجيل، يعيشون حالة صراع بين الأجيال، مع الجيل السابق. ولكن هؤلاء الشباب لا يفكرون بالطريقة ذاتها، حول جميع الأمور. إلا ان هذا لا يمنع واقع وجود نقاط مشتركة واضحة، في مقاربتهم للحياة، وكذلك للمشاكل المطروحة عليهم. وهم جميعهم بعيدون كثيرا عن كل الإيديولوجيات وعن المبادئ والمقولات التي صاغها الجيل الذي سبقهم.
ويتميزون بقدر كبير من الحس العملي. وأما الطريقة الأساسية في عملهم فتحددها المؤلفة، في أنهم يعطون الأولوية لما يعتقدون أنه يمكن أن يكون فعّالا بالنسبة للمستقبل، وهذا من دون أي تحيّز سياسي حقيقي مسبق.
ومن السمات المشتركة في تفكير هؤلاء الشباب، تركز المؤلفة على أنهم يدركون جميعا الحالة السيئة التي تمر بها بلادهم. وأن هناك منافسين أجانب أقوياء، ليس أقلهم الصين الصاعدة، ولكن أيضا البرازيل القريبة. لكن تتكرر لديهم جميعا فكرة أن ما يحرّكهم ليس الشهية للربح. وهذا على خلفية أن لهم علاقة مختلفة مع المال، ويزعمون أنهم لا يريدون أبدا، أن يجعلوا منه حافزهم الرئيسي في الحياة.
ولكنهم يدركون بالوقت نفسه، أنه من الأفضل كسب المال، وهم يقدّمون الجهود من أجل ذلك، ولكن ليس بأية طريقة ولا بأي ثمن. ومع ذلك، فهناك إدراك عام في جميع المناطق لدى الشباب، بأن شيئا ما لم يعد يسير بشكل جيّد في هذه البلاد، وأنه ينبغي إيجاد العلاج الناجع لهذه الحالة. وتضرب المؤلفة على ذلك، مثال الشابة «حنا» ذات الانتماء السياسي اليميني المتطرف، مثل والدها، ولكن مقاربتها للأمور أكثر اعتدالا وأقل جذرية او راديكالية.
وهناك نقطة مشتركة كبيرة أخرى، بين هؤلاء الشباب والجيل الذي سبقهم، وهي أن الجميع يعتقد أن أميركا (بلد هؤلاء جميعا) هي الأفضل في العالم، وأنه من واجبها أن تكون كذلك. وايضا أن نزعة الاستثناء الأميركي لا تزال كاملة لا مساس فيها.
ومن هنا يأتي انطباع المؤلفة بأن جميع الشباب الذين تقدّم قصتهم، يولون اهتمامهم الأول لما يجري في الولايات المتحدة الأميركية، دون الاهتمام كثيرا بأحداث بقية مناطق العالم وبلدانه. وأيضا ان انتباههم يتركز خاصة على أميركا. وبالمقابل لدى الشباب من الأميركيين، كما تشرح المؤلفة، نوع من الإدراك الغائم، حاليا، بأن خارطة العالم والتوازنات القائمة فيه، هي بصدد التغير.
كما أنهم يدركون جيدا وجود القوى الصاعدة. ويذكرون في هذا الصين والهند، ولكنهم سرعان ما يخرجون من الخوض في هذه المسألة. وأما أوروبا فهي غير موجودة على شاشات إداراتهم، فهي تبقى بالنسبة إليهم القارة القديمة.
وفي كل الحالات يتقدّم الفرد والمبادرة الفردية على سواهما، ذلك أن الحكومة لا تأخذ بيد أحد كي ترفعه إلى أعلى. ثم إن خيبة أمل أغلبية الشباب الأميركيين من اوباما، هي بمقدار الآمال التي وضعوها فيه.
ويبقى الخيط الناظم في هذا العمل، تأكيد مؤلفته، أن جيل الشباب سيغير أميركا.
الكتاب: قصص أميركية
تأليف: لويز كوفلير
الناشر: نيل، باريس، 2011
الصفحات: 313 صفحة
القطع: المتوسط
American stories
Louise Couvelaire
Nil - Paris - 2011
313 .p
