يعنى كتاب "الثورة وأسئلة الشعر"، لمؤلفه محمد الدسوقي، في دراسة مجموعة من النماذج الابداعية الشعرية العربية، لـ23 شاعرا عربيا، تصب في إطار محاكاة ثورات الربيع العربي، ويشير الدسوقي في مقدمته، إلى أن لغة الشعر لغة منحرفة، أي متمردة بطبيعتها المزدوجة، سواء فيما تحمله من مضمون، أو فيما تهدف إليه من خلال تأثيرها الجمالي، فإذا كانت لغة الشعر بهذا المعنى لغة ثائرة، حتى في الواقع المستقر، فماذا سيكون شأنها إذا انحرف الواقع وانقلب رأسا على عقب؟!

ويبين محمد الدسوقي، أن النصوص، مع اختلاف أشكالها وتراوحها بين ما هو عمودي وما هو تفعيلي وبين ما هو نثري، كلها تقترف موضوعا شبه موحد، مؤكدا أن الفرق بداهة سيكون بين إبداع تباشره الروح وآخر تتوهمه الصنعة، وعليه، فيتوجب على الشاعر أن يسائل نفسه: هل يلامس ذائقة المتلقي أم يشاركه الهتاف؟ فاللعب هنا على المكشوف. واعتبر الباحث أن الثورة فرصة مهمة للشعراء، فإما أن تشكل الثورة لهم تحديا كبيرا، وإما تتحوّل إلى أزمة ومأزق كبيرين.

ويقّسم الباحث الدسوقي دراسته، إلى ثلاثة فصول تتناص مع أشكال الشعر المعروفة، وأولها في الشعر العمودي، ويمثله خمسة من الشعراء، بعضهم اعتمد على موسيقى الكلمات، وذلك مثل ما هو الحال لدى محمد الشهاوي في قصيدته " أتموا ما بدأتم"، وعند سعد عبد الرحمن في قصيدته" رسالة الى الحجاج"، إذ-كما يوضح المؤلف- نجدهما مجرد طنين جاف ممل.

ويرى أن القصيدتين تبدوان كالحواشي المبتعدة عن المتن، فيما يؤكد أنه تأتي قصائد عبد المنعم الامير: " توقيع عاشق على ثوب قرطاج، تقي المرسي: "الآن"، الشيخ نوح "الشعب يريد"، تأتي كقصائد متعددة النبض والظلال، رغم أنها قصائد عمودية.

ويتطرق الباحث في ثاني نماذج دراسته، الى انماط البحث التي تخص شعر التفعيلة، في هذا الصدد، وتتمثل هنا في تسعة من الشعراء، ويرى الدسوقي أن قصائد شعراء التفعيلة نتاج طبيعي لتجارب شعرائها، باعتبار أن معظمهم له تجربة مع الشعر العمودي، ولهذا جاء معظم قصائدهم كطاقة رمزية، بحيث وجد أن لقصائدهم مضموناً في الوقت الذي تمتلك فيه تأثيرها الجمالي، لأنهم يدركون أنه بدون المضمون يتحول الشعر إلى ألغاز.

ودون الشكل لا تتحقق الشعرية. ويشير المؤلف في هذا الصدد، الى أن قصيدة " تمرين على كتابة يوم الجمعة" للمنصف الوهايبي، تصل للقارئ عن طريق السمع كبنية صوتية، وعن طريق الذهن كدلالة، وعن طريق التخيل صورا وطرائق تأثير. وهو ما يجده الباحث في قصيدة " عمت مساء " لرياض الشرايطي، وذلك بينما تجيء قصيدة "اخلع نعلك" لفاروق شوشة، ناقلة لحقيقة وموّلدة لعاطفة. وأما قصيدة "فضاء رؤية سراب" لممدوح المتولي، فهي تمثل صراعا بين الروح والجسد. وعلى النقيض، نجد أنه يقف الباحث أمام ديوان "إنجيل الثورة وقرآنها" للشاعر حسن طلب.

موضحا دهشته من التقريرية، ومبينا أن الشاعر ألقى بنفسه في البحر وكان خائفا من البلل، فقصائد الديوان كلها حبيسة ألفاظها. ثم ينتقل الدسوقي الى قصيدة "ليتني حجر" لآدم فتحي، فيجد أنها تسير على طريق التداعي واللغة مباشرة، فتمنح نفسها للقارئ بسهولة ودون جهد،.

وهو ما يجده أيضا، في قصيدة "لأنك أمسكتها في عجالة" لشريفة السيد، فيما يجد أن قصيدة "ثورة النار" لجمال الصليعي تبدأ بشفافية ثم تتجه الى الخطابية، في حين أن قصيدة "بلاد العصافير" لصبري قنديل، انتقت لغة مجازية إلا أن الرؤية نمطية بحيث يحّل الحماس العاطفي محّل التأمل والتجربة.

وينتقل المؤلف الدسوقي، في ثالث موضوعات كتابه، إلى قصيدة النثر ضمن هذا السياق، ويمثلها في دراسته، تسعة من الشعراء، إذ يرى الباحث أن كتابها يفكرون بطريقة شعرية ويعبرون بطريقة نثرية، فيفككون القصيدة ويفككون العالم، على عكس شعراء التقفية والتفعيلة - يفكرون بطريقة نثرية ويعبرون بطريقة شعرية، ينظمون القصيدة ينظمون العالم - موضحا أن هذا الاختلاف ليس مجرد اختلاف موسيقي - فليس كل قصيدة موزونة قصيدة موسيقية - وإنما هي في الواقع قصيدة إيقاعية، مجرد رنين حروف وأصابع - إنما الموسيقى تناغم، هارموني، نبض.

ويتحدث الباحث عن ديوان "مهمل تستدلون عليه بظل" لعلاء عبد الهادي، متوقفاً أمام ثنائية - المهمل / الظل، معتبرا الظل هو الثورة التي انفلتت رغماً عن صاحبها، ثم ينتقل إلى قصيدة "كتاب الموتى" لعبد المنعم رمضان، مؤكداً أن الشاعر يعيد إنتاج نص الواقع بأدوات فنيّة متعددة، فهو يفكك الشخصيات ويعيد تركيبها، أما قصيدة "أبعد نقطة يمكن أن يصل إليها المشهد" لأمجد ريان.

فالشاعر يعتمد على السرد - والذات الشاعرة منشغلة بوعيها الخاص وليست منفصلة عن الواقع - على أن قصيدة "الوجه ذو السن الباسم" لعبد الحكم العلامي قصيدة تعتمد على الذاكرة - والذات غير متماهية مع الواقع ولا حتى متأثرة به، ولكنه - أي الباحث يرى أن قصيدة "الكلمات تنتفض" لماجدة الظاهري، مؤتلفة في تركيباتها اللغوية وصورها الفنية، بحيث يجد القارئ بنية يتحول فيها الواقع إلى مخيلة.

وهو ما وجده أيضا في قصيدة "أغنيتي ليبية الهوى" لعائشة المغربي. وأما "احتراق البقاء" لزهور العربي، فهي، برأيه، فكرة أخذتها الإزاحة اللغوية الى بر الأمان، ثم يبين أنه في "وطن مباح للحكايا" لوجيهة عبد الرحمن، لم تخطط الشاعرة لفكرة معينة قبل الكتابة. كما ان "أنين الصمت" لبيانكا ماضيّة، قصيدة جسدانية تتشكل عبر الصوت.

وينهي الباحث رؤيته بفصل سمّاه الظواهر والإشارات، يشير فيه إلى أن خطاب المرأة الذي كان ما قبل الثورة موجهاً للرجل أو مقلداً له، أصبح في قصيدة الثورة، صورة تعكس الأنا العامة، مبيناً أيضاً أن هناك خطابات إبلاغية وليست بلاغية، وهناك خطابات موازية للواقع أو معاكسة له، وهناك خطابات فلسفية وأخرى متوقعة، مشيرا إلى تركيبة الخطاب ببنية كل قصيدة وإزاحتها اللغوية.

 

 

 

 

الكتاب: الثورة وأسئلة الشعراء

تأليف: محمد الدسوقي

الناشر: دار الإسلام للطباعة والنشر- القاهرة 2011

القطع: المتوسط

الصفحات: 172 صفحة

القطع: المتوسط