هل الصين أفضل بلدان العالم؟ يجيب الكاتب والروائي الصيني شان كوشونغ، من مثل هذا السؤال، في كتاب متخصص، يحمل عنوان: "السنوات العجاف" وهو يرسم فيه صورة للصين كما تخيلها في عام 2013. وفي عوالم الكتاب، ها نحن إذن في عام 2013 إذ نجد انه تراجعت مكانة الغرب في العالم، بسبب الأزمة المالية العالمية التي انفجرت انطلاقا من الولايات المتحدة في خريف عام 2008. وأما الصين فقد خرجت سليمة معافاة منها، وهي تريد بالتالي، الهيمنة على العالم كله وتوظف خيراته لخدمة مصالحها، إلى جانب تقديم نفسها على أنها أفضل بلد على الكرة الأرضية. وهنا الجميع يتفقون على القول انه ليس هناك مكان أفضل للعيش، كما نقرأ في الكتاب.

هذا ما يرويه شان كوشونغ في عمله "السنوات العجاف"، الذي يتداوله الصينيون سرا. وفي هذا العمل يرسم المؤلف ما يجري في كواليس مراكز القرار في الصين اليوم، ذلك عن طريق مجموعة من الأصدقاء صمموا على أن لا يتراجعوا أمام أي شيء، من أجل الكشف عن كل ما عرفوه من أسرار حول آليات عمل السلطة وكيفية اتخاذ القرارات فيها.

إن الصورة التي يرسمها المؤلف لـ"امبراطورية الوسط"، حسب التوصيف السائد للصين، هو أنها تقطف اليوم ثمرات صعودها الاقتصادي الكبير. ومن معالم المشهد الصيني القادم، يؤكد أن قادة الحزب الشيوعي الصيني سيستطيعون التصرّف على هواهم، دون أية معارضة في وجههم.

بل إن المثقفين الذين تمثّلهم شخصية الكاتب لاو شين، الذي يروي ما سيجري في الصين عام 2013، سيأخذون نصيبهم من غنائم الازدهار، عبر المعونات التي يقدمها لهم النظام. ولكن لاو شين، مثل بقيّة الصينيين، لا يتذكر أبدا أي شيء بخصوص فترة شهر كامل ابتداء، ذلك منذ نشوب الأزمة المالية العالمية، وحتى تثبيت أركان "الصين السعيدة"، ومن ثم دخولها في ما يسميه المؤلف :"حقبة الحبور"، والتي تتميّز بحالة من النشوة العامة.

ولكن ذلك كله لا يمنع وجود أصوات لا تردد نغمات الجوقة السائدة نفسها، وهي أصوات قليلة مثل صوت السيدة تسياو تسي، المعارضة السابقة التي تعيش الإحساس المستمر بأنها تحت المراقبة. وفانغ كاودي الذي يطرح دائما، على نفسه، التساؤلات التي دعت أبناء وطنه الصينيين، إلى نسيان تفاصيل التاريخ الصيني، حتى القريب منه.

لقد نسوا المآسي التي رافقت ما عُرف بـ"الثورة الثقافية"، والتي أطلقها رئيس الصين سابقا، ماو تسي تونغ. كما نسوا الأحداث الدامية التي عرفتها ساحة "تياننمن" حيث سحقت فيها الدبابات عددا من المتظاهرين الشباب. ويلفت المؤلف إلى أحداث كثيرة أخرى جرى مسحها من الذاكرة الجماعية الصينية، إذ إن السلطات مسحت من الذاكرة ومن الكتب والصحف والأرشيف الإلكتروني، كل القمع الذي مارسته للانتقال إلى عالم الوفرة.

والصين القادمة، كما يرسمها المؤلف، ذات بعد مادي صرف، تؤكّد عليه السلطات كي يصبح نوعا من أفيون الشعوب. واختار الصينيون عامّة تقريبا معسكر النسيان. أما أولئك الذين يتذكرون فقد أصبحوا في عداد البشر غير الطبيعيين. وفي مثل هذه الحالة التي يرى المؤلف أن الصين هي بصدد تجسيدها، تنتهي الفوارق بين جحيم جميل وفردوس مزوّر.

يأتي هذا الكتاب بقالب روائي هو، أولا وأساسا، عمل توثيقي حول الصين في الأمس القريب، وخاصة حول الصين الراهنة، ذلك أن الأحداث تجري في عام 2013، أي في العام المقبل. كذلك يتمثل أحد الوجوه الأساسية لهذا العمل في كونه دراسة في مجال الاقتصاد السياسي. ذلك أن الأزمة الاقتصادية المالية العالمية لاتزال آثارها تتفاعل منذ اندلاعها قبل ثلاث سنوات، إذ كادت أن تدفع الصين إلى هاوية الانحسار والبؤس. ولكنها عرفت، على العكس، كيف تستفيد من تلك الأزمة لتشهد عصرا ذهبيا لا سابق له، من الثروة والازدهار المادي.

الصينيون يعيشون اليوم حالة من الوفرة الاقتصادية، وينعمون في أغلبيتهم بمستوى مرتفع على صعيد الاستهلاك، بما في ذلك السلع الاستهلاكية المستوردة من بيوت الأزياء الفرنسية وغيرها. وبالطبع انتشر استخدام "الانترنت"، لكنه يخدم بالدرجة الأولى مراقبة الصينيين. ويبقى المهم هنا، أن لا يقترب الصينيون من المواضيع السياسية. أما من لا يقبلون بتنويم تفكيرهم فمصيرهم العيش في حالة قلق دائم. والكتّاب الذين لا يريدون خسارة السوق الصينية، يمارسون عمليا، الرقابة الذاتية.

الكتاب هو في أحد وجوهه الأساسية، توثيقي للصين الراهنة، والتي تريد أن تفرض نفسها على مليار ونصف المليار من المواطنين الصينيين؛ وهي دائما بانتظار القيام بفتوحات جديدة. وهذه الصين، رغم بقاء الحزب الشيوعي في السلطة، وكذا احتفاظه بالاسم، تبقى ذات طبيعة رأسمالية صرفة. فالبعد المادي فيها هو المهيمن والمسيطر.

وكل ما عداه لا مكان له فيها. ولا يرى فيها المؤلف سوى منظومة شمولية- توتاليتارية، تكاد لا تكون جديدة في شيء. ويصفها: "إنها دكتاتورية فاشية على الطريقة الصينية، وتمثل مزيجا من النزعة القومية المتشددة، مع الحس الثقافي التقليدي والنقاء العنصري الوطني". يجد القارئ نفسه، أمام واقع رسمه المؤلف في "الزمن المستقبل"، لكنه مثيل للواقع الذي يعيشه الصينيون اليوم.

 

 

الكتاب: السنوات العجاف

تأليف: شان كوشونغ

الناشر: دوبل داي- نيويورك- 2011

الصفحات: 266 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

The fat years

Chan Koonchung

Doubleday ذ New York - 2011

266 .p