تقوم الأستاذة الفرنسية في المدارس الثانوية، بالتدريس في ثانويات يشكّل أبناء المهاجرين نسبة كبيرة من طلاّبها، وبذا فهي تتعامل سنويا مع المئات من المراهقين الذين ينتمون إلى ثقافات أصلية متنوعة جدا، وينحدرون من أوساط اجتماعية مختلفة، فيها الأثرياء جدا والفقراء بشكل كبير. وعن تجربتها خلال سنوات عديدة، تقدّم كتابا تحت عنوان: "صباح الخير سيدتي، شكرا سيدي".

موضوع هذا الكتاب هو اللباقة في التصرف والسلوك، وأصول التربية الجيدة، لمن هم من الفئة التي عايشتها واختبرتها الاستاذة(المؤلفة)، في مجموعة مدارس، بغرض تعليمهم احترام الآخر، ومحاربة واقع اتسامهم بعدم التردد في إبداء قدر كبير من الجفاء حيال السيدات والطاعنين في السن.

 فمثل هذا الواقع دعا كُثر إلى القول ان الأطفال أصبحت تنقصهم التربية وإن كل اللباقات ضاعت. وهذا في الوقت الذي لا تزال الأغلبية، كما جاء في استطلاعات رأي متعددة، تجد في الأدب بالسلوك، القيمة المفضّلة لدى الفرنسيين.

وتقول المؤلفة في مطلع كتابها: "إن سلوك الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم في جنوب إفريقيا أثناء مباريات كأس العالم- خلال شهر يوليو عام 2010، صدم الفرنسيين كثيرا، وصدم فرنسا بمكوناتها السوداء ذوي الأصول الإفريقية- والبيضاء الأوروبية- والبور أي ذوي الأصول العربية. ولكن ذلك النقص في التربية، كما دلّ سلوك اللاعبين، لم يكن سوى الإعلان الصريح لما أراه ينتشر في مدارسنا منذ 15 سنة، والذي يسود أيضا بشكل أكبر، في مجتمعنا ومنذ عقود، في إطار الأسرة وفي الشوارع وفي المكاتب".

ولا تتردد المؤلفة في التاكيد على أن التأدّب في السلوك فقد الكثير من قيمته. والإشارة الى أن شركة نقل "المترو" الباريسي أطلقت في شهر سبتمبر الماضي، حملة من أجل لفت الانتباه إلى ضرورة مراعاة الحدود الدنيا من اللياقة في السلوك. وتبين أيضا أن بعض الحركات البسيطة، مثل فتح الباب للأكبر سنا وبشاشة الوجه وعدم التحدث بصوت عال في الهاتف بحضور الآخرين، ذات قيمة مهمة، بالمقارنة مع إغلاق الباب في وجه الآخر، وتقطيب الجبين وإزعاج الناس بأحاديث هاتفية لا تراعي وجود الآخرين.

 

وترى المؤلفة أن التخلّي الكامل عن أي إطار مُلزم للحياة المسؤولة والمحكومة بقواعد محددة، يمثل خطر العودة إلى قانون سيادة الأقوى، وذلك منذ سن الطفولة. وهذا يحمل في طياته خطر التمييز بين البشر، والذي يشكّل، بنظر المؤلفة، خطرا مثيرا للقلق، أكثر من الذي يتم تحميل مسؤوليته للجسد الاجتماعي، من أجل تبرير أشكال الجنوح وإثارة الاضطرابات واللجوء إلى التمرّد والعصيان.

كما تؤكد المؤلفة أن مفهوم الاحترام لا بد منه، غاية ترسيخ اطر الحياة السليمة في أي مجتمع. فإذا كان الفرنسيون يؤكدون على تمسكهم بالسلوك المتمدّن وقواعد الاحترام، من المرغوب في عالم وسائل الإعلام، إظهار قدر قليل من عدم الانضباط، بل والسخرية أحيانا، من القواعد. وثقافة خرق القواعد تتعمم، لكن قلة هم من يتحدثون بذلك، خشية أن يتم توصيفهم بالواعظين الأخلاقيين.

وتحدد المؤلفة القول ان الثورة الفرنسية الكبرى لعام 1789، أحدثت قطيعة في قاموس السلوك المتمدّن، والكياسة مع الآخرين، الأمر الذي اشتهرت فيه فرنسا، منذ القرن السادس عشر. إن الثورة رفضت ذلك القاموس، على اعتبار أنه كان يرمز للنظام القديم. وكذلك رفض الثوريون عادات سابقيهم باسم المساواة.

وتنقل المؤلفة عن سان جوست قوله: "إن الابتذال هو نوع من مقاومة الاضطهاد". وتشير الى أن النمط نفسه من السلوك، عرفته أيضا الثورة البلشفية الروسية بعد عام 1917. كما تنقل عن عالم الاجتماع الفرنسي الشهير بيير بورديو قوله ان رأس المال الثقافي، يشكّل أداة لسيطرة الطبقات السائدة على الطبقات المسودة. وتجد ان هذه الإيديولوجيات كلها أدت، إلى التشكيك بالمنظومات الاجتماعية التي تمثل لحمة مجتمعاتنا.

وفي الصفحات الأخيرة، تلفت المؤلفة الى أن الوقت لم يتأخر كثيرا للتحرك، وبالتحديد اعتمادا على الأسرة والمدرسة.

 

الكتاب: صباح الخير سيدتي، شكرا سيدي

تأليف: سيسيل ارنست

الناشر: ج. ك. لاتيس- باريس- 2011

الصفحات: 192 صفحة

القطع: الصغير

 

 

Bonjour Madame, merci Monsieur

Cécile Ernst

J. C. Lattes- Paris- 2011

192.p