تشكل مسألة المناخ، أحد مراكز الاهتمام الرئيسية في عالم اليوم. ولا شك أن مستقبل المناخ في العالم يمثل موضوعا له راهنيته وخطورته. ومن هنا تأتي أهمية كتاب «مستقبل مناخ العالم»، والذي يساهم فيه عدد كبير من أخصائيي المناخ في العالم، وأغلبيتهم من الذين شاركوا في إعداد تقارير حول المناخ، بطلب من مؤسسات عالمية، في مقدمها منظمة الأمم المتحدة. ويحوي الكتاب أكثر من 200 صورة وجدول ورسم بياني.
يضم الكتاب 18 فصلا، موزعة بين خمسة أقسام، وهي تبدأ بقسم : «مناخات المستقبل» وتنتهي ببحث تحت عنوان: «ضرورة فهم المجاهيل»، وذلك مرورا بدراسة موضوعات ومحاور: «المناخ العالمي في الزمن وتبعا للمناطق»، «منظورات المستقبل»، «دروس من أجل المستقبل».
مساهمات القسم الأول من هذا العمل، مكرّسة لدراسة السياسات المتعلقة بمواجهة التغيرات المناخية المحتملة في العالم، وآثارها على السكان في المدن، كما في الأرياف. وهذا مع تكريس فصل كامل لـ«نتائج عمل الإنسان على المناخ»، من منظور اشكال التبدّيل والتغيير اللذين أجراهما البشر على الوسط الطبيعي المحيط بهم.
ويتفق المساهمون في الكتاب على القول، ان السيناريو الأكثر احتمالا بالنسبة لمستقبل مناخ العالم، هو أن زيادة الغازات المؤذية للبيئة وللغلاف الجوي، ستواصل استمرارها حتى أفق عام 2100. وستترافق زيادة هذه الغازات مع زيادة المعدّل الوسطى لدرجة حرارة الأرض.
ولكن الملاحظ أنه يتم تحديد كمية هذه الحرارة بشكل دقيق، كونه من الصعب معرفة إلى اي مستوى ستصل درجة حرارة الأرض، بسبب عدم معرفة الزيادة في حجم الغازات المؤذية، المنطلقة من مصانع الأرض ومحركات آلياتها. وهذه الزيادة تبقى مرتبطة بعوامل عديدة، ليس أقلها مدى تقدّم الإنسان في الوصول إلى ما يسمّى بـ«الطاقة النظيفة»، وغير ذلك من البدائل المحتملة.
وبالإضافة إلى التغيرات ذات المصدر الإنساني، هناك عوامل أخرى سيكون لها تأثيرها في تغيّر مناخ المستقبل. ومن أهم تلك العوامل يذكر المساهمون بالكتاب: «أشكال التأثير الطبيعية»، وهي مثل التغيّر المحتمل في النشاط الشمسي، وكذلك في النشاط البركاني.
إن هذه العوامل سيكون لها بالتأكيد أثرها على المستقبل المناخي للعالم، لكن لا يمكن دراسة مدى ذلك التأثير أو حجمه، فالنشاطات الطبيعية ومدى قوتها لا تمكن دراستها بشكل مسبق، بفعل خضوعها لمعطيات جيولوجية وفلكية لم يتوصل العلم إلى دراسة حركتها بدقة، حتى الآن.
ويعتمد المساهمون في تحليلاتهم، بشكل كبير، على المعطيات المقدّمة من قبل مجموعة الخبراء الحكوميين حول تطور المناخ ـ أغلب المساهمين هم أعضاء فيها ـ ذلك من أجل تحديد عدد من ردود الأفعال الإيجابية، والتي يمكن أن تترتب على سخونة الكتل الجليدية. وأيضا تحديد عدد من ردود الأفعال السلبية على سخونة المناخ، مثل : زيادة الغيوم المنخفضة نتيجة لزيادة التبخّر.
إن ردود الأفعال هذه، يتم تقديمها على أنها إجابات المنظومة المناخية على آثارها المباشرة. ولكن لا يمكن حتى الآن، تقديم معطيات دقيقة (رقمية)، بالنسبة لزيادة حرارة المناخ. وإذا كان المساهمون يتفقون على استحالة المعرفة الدقيقة لحجم الغازات المؤذية التي ستنطلق خلال العقود القادمة، وتحديدا حتى نهاية القرن الحالي:(الـ 21)، وكذلك استحالة المعرفة الدقيقة لحرارة الأرض في الأفق نفسه.
وأيضا استحالة معرفة النشاطات الطبيعية، فإنهم (المساهمون) يقدّمون بعض الأرقام التقريبية، مثل القول ان معدّل حرارة سطح الأرض قد يزداد ما بين 2 إلى 11.5 درجة، حتى نهاية القرن الحالي، وذلك بالقياس إلى حرارة سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي (الـ 20). والإشارة الى أن معدل الزيادة في درجات الحرارة بالنسبة للمناطق المأهولة بالسكان، قد يكون ضعف ما كان عليه في القرن الـ 20.
وتتق الآراء المقدّمة أيضا، على تأكيد واقع ان المناطق البرية ستزداد حرارتها أكثر من المحيطات، بفعل قدرة المياه على تخزين الحرارة. وكذلك التأكيد في السياق ذاته، على أن القسم الأعظم من أميركا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا)، وكذلك القارة الإفريقية وأوروبا وجنوب آسيا ووسطها وأميركا الجنوبية، مناطق قابلة لزيادة درجة حرارتها، أكثر من بقية مناطق العالم.
وهناك عنصر آخر يتم التأكيد عليه في إطار بحث «التغير بدرجات الحرارة»، وهو أن هذا التغير سيتباين تبعا للفصول. وفيما هو أبعد من مدى دقة كل ما يقال عن التغير المناخي في المستقبل القريب، تتم الإشارة الى أن التهديدات التي تتردد كثيرا بهذا الخصوص، تدفع الجميع إلى ضرورة التحلي بقدر أكبر من المسؤولية، وبالمقابل التخلّي عن الأنانية وعن نزعة التمركز حول الذات.
ومن هنا أيضا، يتم التأكيد على ضرورة زيادة الاستثمارات، في ما يسمّى: «الأجيال الجديدة من التكنولوجيات الخضراء». وهذا كله في منظور وضع العالم على طريق السعي من أجل مستقبل أفضل.
المساهمون في هذا الكتاب يؤكّدون على خطورة آثار التغيّر المناخي على مستقبل العالم. ويشيرون الى ان أسباب هذا التغير معروفة عموما، ونتائجه يمكن أن تتطابق، إلى هذه الدرجة أو تلك، مع الاستقراءات المقدّمة، لكن سياسات الوقاية لا تزال تتلكأ.
الكتاب: مستقبل مناخ العالم
تألي: آن هندرسون سيلير، كاندال مككوفي وآخرون
الناشر: السيفر سيانس بوبليشنغ، نيويورك، 2011
الصفحات: 660 صفحة
القطع: المتوسط
The future of the worldصs climate
Ann Henderson Sellers, Kendal McGuffie and
Elsevier Science Publishing- New York- 2011
660 .p
