شكّلت مادة الرياضيات، كابوسا، للعديد من الطلبة، وخلّفت ذكريات سيئة، لم تمحها الأيام لدى الكثيرين. ويتم الحديث كثيرا عن نوع من الاستعصاء، حيال فهم هذه المادة لدى طلبة المدارس، على مختلف مستوياتهم. إن الباحثة الفرنسية، التي تمارس علوم التربية في جامعتين باريسيتين، تقدّم كتابا كاملا للإجابة عن السؤال التالي: "من يخاف الرياضيات؟" وذلك مثلما جاء في عنوان الكتاب.
وتشرح المؤلفة، أنها واجهت هي نفسها، معضلة فهم الرياضيات، ولكن لمدة خمس دقائق بالكاد. ولكنها كانت خمس دقائق مضنية، ذلك أمام نظرية طاليس. وتشير الى أن تلك الذكرى تعود إلى ذهنها باستمرار، ولكنها كانت، بدون شك، كما تقول، وراء شغفها بلغز الاستعصاء أمام الرياضيات. وليس غريبا في هذا السياق، أن المؤلفة تعمل منذ سنوات عديدة، مع تلامذة وطلبة، لمساعدتهم على تجاوز الاستعصاء الذي يواجهونه أمام لغز الرياضيات.
وتبين المؤلفة أنه من غير المفيد إضاعة الوقت في عمل متكرر وعقيم، بل إن الأفضل، التساؤل حول الصعوبات التي تواجه المعنيين بمسألة الخوف من الرياضيات. إذ ان الاستعصاء يعبّر أصلا عن حالات القلق، لكنه يترجم بالوقت نفسه، كمّا من الانفعالات التي يمكن أن تقرّبنا من الرياضيات، لا تبعدنا عنها. وذلك بمعنى أن العمل في مجال الرياضيات، يعني العمل على الذات، كما يعني إلقاء نظرة أخرى على المنظومة المدرسية نفسها.
وترى المؤلفة، أنه ينبغي طرح أسئلة من نوع: هل مادة الرياضيات هي حقيقة مجرّد مادة كغيرها من المواد؟ وهل تتحمّل منظومة التعليم بعض المسؤولية؟ وتقول المؤلفة في معرض الإجابة، إن إحدى السمات المميّزة للرياضيات هي عدم وجود أي عنصر يسمح مسبقا بإعطائها معنى مباشرا، أو باستخدامها أو ربطها بأي شيء. ولكن الأمر مختلف بالنسبة للمواد الأخرى، كاللغة، إذ إنه، ورغم عدم فهم القاعدة اللغوية، يمكن استيعاب دلالة الجملة.
كما تؤكد التحليلات المقدّمة على أهمية فهم "القاموس الرياضي"، إذ هناك الكثير من الكلمات الرياضية التي يتم استخدامها في الحياة اليومية، ولكنها تحيل إلى مرجعيات معقدة في الرياضيات، مثل : الجذر والمجهول والحد. وتتم الإشارة الى أن بعض الكلمات، توقظ شيئا ما يفصل بين ذكاء التلميذ وتطبيقات الرياضيات.
وتروي المؤلفة ان أحد تلامذتها(من قليلي الفهم في الرياضيات)، كان بالنسبة له، تعبير (ناقص) يعني البشر الذين لم يعودوا موجودين، أي الموتى. وكان اخر يفسّر الأرقام السلبية، كتعبير عن الخسارة في اللعب مع رفاقه، الأمر الذي كان يصعب عليه تحمّله. والنتيجة أنه كان يميل إلى ارتكاب أخطاء في الحساب، تسمح دائما بالوصول إلى نتيجة إيجابية. وأيضا الإشارة إلى أن بعض الطلبة عانوا من فهم الرياضيات، بسبب تلاقيها مع عناصر في منطقهم الداخلي، غير الواعي.
وفي هذه الحالات جميعها، المطلوب هو أخذ المشاكل بالحسبان، للوصول إلى مصالحة مع مادة الرياضيات، وليس من التكرار الآلي للدروس الخاصة وللتمارين. ومن المهم في جميع الحالات أيضا، الانطلاق من الذات، من أجل فهم العالم. وما يتم تأكيده كذلك، هو أن جميع الأطفال المراهقين يريدون العمل بشكل أفضل، من أجل إدخال السرور إلى قلب أهلهم وأساتذتهم. فما الذي يمكن أن يصادفونه على طريق تعلّم الرياضيات، ومن ثم يدفعهم إلى التخلّي عن السعادة الكبرى، المتمثّلة في الاعتراف بهم وبرفعة قيمتهم؟
وما هي العقبة الخفية التي يتم خلطها غالبا بالكسل؟ إن هذا بالتحديد هو ما ينبغي الكشف عنه، كما تشرح المؤلفة، مؤكدة ان أحد مفاتيح الحل يكمن في مساعدة الأطفال والمراهقين الذين يعانون من صعوبة، إن لم يكن استحالة، فهم الرياضيات، على تخفيف ألمهم، واستعادة متعة التفكير.
الكتاب: من يخاف الرياضيات؟
تأليف: آن سييتي
الناشر: دونويل- باريس- 2012
الصفحات: 256 صفحة
القطع: المتوسط
Qui a peur des mathémathiques
Anne Siety
Donoel - Paris- 2012
256 .p
