«هل أصبح ما كان مستحيلاً البارحة يمكن ان يصنف حاليا، في خانة ما هو ممكن اليوم؟". بهذا السؤال يبدأ الكاتب روجيه بول دروا والصحافية مونيك اتلان، كتابهما: "ما هو إنساني". وفي هذا الكتاب يقدمان، كما جاء في عنوانه الفرعي،" تحقيقا فلسفيا حول هذه الثورات التي تغير حياتنا».

هذه الثورات التي يشهدها البشر اليوم على أصعدة مختلفة تمتد من الطب إلى وسائل الاتصالات، وتدفع للتساؤل عما إذا كنا فعليا، أمام علم أو خيال؟ ويبين المؤلفان أنه توصل العلماء إلى اختراع خلايا صناعية وأعادوا تركيب الحمض النووي" DNA "، ومن ثم استطاعوا عبر التكنولوجيات الحديثة، الوصول إلى سبل دحر الشيخوخة، ومحاربة أمراض عدة، كانت قاتلة حتى الأمس القريب.يقوم مؤلفا الكتاب يقومان بنوع من التحقيق، عبر 50 مختبرا للأبحاث،.

وكذلك جامعة علمية، حيث قابلوا باحثين ومهندسين وفلاسفة وعلماء أجناس وعلماء اجتماع. وفي جميع هذه الحالات والمقابلات، يحددان القول ان محور بحثهما وهمّهما الحقيقي، كان محاولة معرفة مكانة "ما هو إنساني في هذا كله. ويطلق المؤلفان على ميدان بحثهما عنوان: "ارخبيل المتغيرات".

وذلك بغية تقديم نوع من الرؤية الشاملة. بانوراما للمسائل الجوهرية التي تعاني من التبدّل اليوم: "التبدّلات الجارية". أو ما يعبّران عنه بمحاولة رسم خريطة جديدة، بعد أن تغيّرت الحدود، أو اضمحلّت، إذ إن البشر يعيشون اليوم "مرحلة ثورية" حقيقية.

ومن الملاحظ أن مؤلفي الكتاب يبتعدان كليا، وبشكل متعمد، عن كل المشارب، وقد قادهما تحقيقهما من جامعة ستانفورد إلى الكوليج دو فرانس، ومن هارفارد إلى السوربون ومن باريس إلى لندن وهامبورغ ونيويورك. وعبر ما يسميانه :"هذه الورشة الكبيرة في القرن الحادي والعشرين"، نجدهما يحاولان المقارنة بين مختلف وجهات النظر، إذ يكون عملهما بمثابة مساهمة حقيقية في تجديد السؤال الفلسفي الأبدي الخاص بتحديد ما هو إنساني.

ويشير المؤلفان في تحليلاتهما إلى التغلغل الكبير الذي تقوم به تقنيات المعلوماتية والاتصالات، وتقنيات التسويق أيضا، في مجال نقل المعلومات العلمية إلى الجمهور العريض.

ويتجه هذا التغلغل في بعض الأحيان، إلى نوع من الحرب الدعائية. وفي كل الحالات يتم التأكيد على أهمية الفصل بين ما هو توهم، وما ينتمي إلى الحقائق.

ويرى المؤلفان، بناء على ذلك، أنه من الأهمية بمكان تقديم ما هو أساسي من المعلومات، في ميادين البحث المطروحة في عالم اليوم. ذلك أنه من حق الجميع معرفة الحد الأدنى الذي لا يجعله خارج القرن الذي أمامنا. وبالتالي من حقهم أن يتزودوا بما يتيح لهم مواجهة تدفق المعلومات العلمية والتكنولوجية، والتي يتم تقديمها على أنها ثورية.

تتم الإشارة في هذا السياق إلى أن الفيزيائي ريشار فيمان، الحائز على جائزة نوبل للفيزياء، كان قد دشّن قدوم هذا العالم الجديد، عبر محاضرة ألقاها عام 1959، تحت عنوان: "هناك مكان واسع في هذه الأرض". إذ تصوّر يومها، إمكانية تخزين محتويات موسوعة بريتانيكا، ذات الأربعين مجلّدا.

في مكان" هو بحجم رأس دبوس.ويذكر المؤلفان أيضا، اسم العالم جيرار بيري المتخصص في مجال العالم الرقمي والاتصالات، والذي يذكّر أنه في فيلم "2011: اوديسة الفضاء"، كان الحاسوب ضخما وذكيا. وأما حواسيب اليوم فهي دائما، كما يقول، في غاية الصغر وظلّت غبيّة جدا.

ويشير إلى اعتقاده أن الخيال العلمي يبيّن مدى زيفه غالبا. ويلفت الى ان التبدّلات التي تجري هي غالبا مختلفة جدا، عن تلك التي كان يتم توقعها أو الخشية منها.وعلى صعيد العلوم العصبية، يبدو أن الباحثين يحلمون في أن تتمكن آليات التصوير الدماغي، من الكشف عن الكيفية التي يتوصّل فيها الأفراد، إلى تشغيل دماغهم. ولكن المؤلفين يريان، أنه لا ينبغي الذهاب كثيرا في مثل هذا الحلم. وذلك أن البشر لا يعرفون حتى الآن، سوى النزر اليسير، من آليات عمل الدماغ، إذ انهم لا يعرفون سوى 5 بالمائة من هذه الآليات. ولكن ما يبينانه هو أن التصوير الدماغي، حسب التقنيات الجديدة، يمكنه أن يكشف الكثير أيضا.

 

 

 

 

 

 

الكتاب: ماهو انساني تحقيق فلسفي حول الثورات التي تغير حياتنا

تأليف: دومينيك اتلان روجيه بول دروا

الناشر: فلاماريون باريس 2012

الصفحات: 560 صفحة

القطع: المتوسط

 

 

Humain

Dominique Atlan, Roger Paul Droit

Flammarion - Paris- 2012

560 .p