يتطرق كتاب "خارج الطائفية"، لمؤلفه الدكتور علي أحمد الديري، في تناوله لقضية البحث، إلى اساس ومنبع تشكل توجهات "التطييف" في مجتمعاتنا، عارضاً لماهية الفرق بين أن تكون الطائفة موضوعا تشتغل عليه، وأن تكون إطارا تستند إليه. ويبين الديري انه في الحالة الثانية، نجد ان الشخص يقبع في عوالم الطائفة مستندا إليها في تعريف هويته.

وتعيين مركز قوته في علاقته بالآخرين. ويقول المؤلف: "إن الطائفة، بما تتوافر عليه من قيم وأوامر ونواة، تؤطر لك ما هو صحيح وما هو خطأ، وبهذا الكل المركب، تمثل الطائفة إطار رؤية ترى من خلاله العالم والغيب والآخرة والناس".

ويستعرض الدكتور علي أحمد الديري، مجموعة من الآراء المتخصصة في هذا المجال، شارحاً كيفية تحديد بعضها، لطبيعة المبادئ الأربعة التي تقوم عليها الطائفية، وهي: أن الطائفية كنسق اجتماعي تحمل جملة مضامين وأهداف سياسية لا ترتبط بتعددية الطوائف والأديان أو بالطقوس والمعتقدات، إن الطائفة لا توجد إلا في المجتمعات التقليدية التي تفتقر إلى فكرة الدولة الحديثة، ترتبط بمشاعر التضامن الطبيعي القائمة على رابطة عقدية، يتجسد ارتباطها كأيديولوجيا حشد وتعبئة بالنخب السياسية المتنافسة في الساحة السياسية للسيطرة على مواقع القرار داخل الدولة، لذا يرى باحثون متخصصون، أن تجاوز الطائفية يمكن أن يتحقق في الدولة الوطنية.

ويذهب الدكتور علي الديري، في بداية مناقشته موضوع الطائفية، إلى أن الإنسان نظريا، لا يستطيع إدراك علاقاته بهذه المجردات العقلية إلا من خلال تركيبة مجازية داخل أو خارج الحدود، فإما أن يكون داخل الطائفة أو خارجها، إذ لا يمكن أن نكون الاثنين معا. ويكشف الباحث أن الوجود خارج الطائفة، يحيل المرء داخل فضاء المدينة وداخل فعلها الحر، لأن كل خروج هو دخول آخر. أما فيما يتعلق بالمثقف فإنه لا يمكن أن يكون خارج طائفته لأن وظيفته هي توسيع إطار الجماعات ليكون بمقياس الوطن.

وانطلاقاً من ذلك يحاول الديري، تحديد المستوى المعرفي والتاريخي والسياسي والاجتماعي للمثقف. ويشير في معرض قراءته لمصطلح الطائفية إلى ما يعاني منه هذا المصطلح من غموض ما يدفعه إلى تحديد معناها لأن فهم الطائفية لا يتحقق إلا من خلال تحديد مفهوم الطائفة طالما أنه مشتق منه، فالطائفية التي هي نظام اجتماعي وديني ودنيوي مركب، وليست هي مجرد مجموعة من المعتقدات الدينية البريئة من صراعات التاريخ، هي تشكيلة من الآليات المركبة في هيئة سلطة تعمل على تثبيت هذه المعتقدات في جماعتها والدفاع عنها.

ولا يكتفي الديري بتحديد المفهوم والآليات داخل الطائفة بل يتجاوزها إلى تحديد كيفية الخروج منها. وفي هذا الإطار يكشف عما تقوم به أيديولوجيا الإسلام الحركي (السياسي) في تحريك الواقعة التاريخية لتكون واقعة معاصرة، إذ ليس هو معنيا بالسياق التاريخي في تعدد اهتمامه بالسياق المعاصر، لأنه يريد استخدام الواقعة في حركة صراعاته الراهنة. ولذلك ليست لديه مشكلة في انحراف تلك الواقعة عن سياقها التاريخي، ذلك لأن المخيلة بالنسبة للإسلام الحركي مهمة بقدر ما يمكن استخدامها لتغيير الواقع.

ويتناول الباحث العلاقة بين المثقف والسياسي، ليخلص في نهاية تحليله، الى أن العلاقة مرتبطة بالمطالبة بتحرير المثقف من السياسي، طالما أن السياسي ينسجم مع توقعات السلطة التي تحاول أن تحتوي المثقف، بينما ينسجم المثقف مع الهامش المنفلت من من أحكام السلطة، إذا لم يكن قادرا على خلخلة بنية تلك السلطة.

ويبين المؤلف أنه إذا كان السياسي يتميز بالأحادية من خلال دفاعه عن الواحد وانحيازه إلى جماعته، فإن المثقف يدافع عن المتعدد وينفتح على كل الجهات، كذلك فإن ممكنات السياسي تظل محدودة، بينما ممكنات المثقف تجمع المتناقضات . ويناقش أيضاً فكرة الدولة الأب وفكرة الدولة المطلقة والدولة غير المنحازة والدولة والتمثيل الديمقراطي.

كما يطرح المؤلف مجموعة من القضايا المتعلقة بقضايا الأخلاق والقيم التي يجب أن تحكم المجتمع، بحيث يعمل الجميع من خلالها، لافتا إلى مسألة مهمة تتعلق بنسبية الأخلاق، كونها تقع ضمن حدود المتغيرات، دون أن يعني ذلك القيم الأخلاقية المسلم بها عموما كالكذب والغش. وفي هذا الصدد يشير إلى أن فلاسفة المسلمين كانوا يستندون في مباحث الأخلاق إلى الفلسفة اليونانية ممثلة في أرسطو وأفلاطون، ومن ثم فلاسفة العصر الحديث فالأخلاق التي تندرج ضمن ما يسمى بالعقل العملي، تحدد لنا ما يجب أن نقوم به، والأفعال التي علينا أن نتجنبها.

 

 

 

 

الكتاب: خارج الطائفة

تأليف: د.علي أحمد الديري

الناشر: مدارك للنشر البحرين 2011

الصفحات: 392 صفحة

القطع: المتوسط